لابد من الاعتراف بأن الضربة العسكرية الغربية لو نفذت، يوم كان الجميع ينتظرها، كانت ستكون مؤلمة، رغم ضرورتها، لكل وطني سوري، وعدم تنفيذها هو ايضا مؤلم لانه يعني استمرار شلال الدم السوري وطغيان النظام الاسدي ضد الشعب السوري، حيث سيستمر بمحاربة هذا الشعب البطل التي كانت كل طموحاته إصلاحات سياسية وانسانية تكف يد الاجهزة الامنية عن ابنائه.
انقسم المواطنون السوريون الى ثلاث أقسام: قسم مع الضربة مهما كانت أضرارها، وهم غالباً من قوى المعارضة ذوي النفس القصير، والكثير منهم معارضون جدد، وهم ينسون او يتناسون بأن هذه الضربة ستكون مكلفة للشعب السوري، سواء أكان على المستوى المادي أو المعنوي، وقد يدفع الشعب السوري البطل ثمنا غاليا من ارواح ابنائه أكانوا من المعارضين او من المؤيدين، لان الضربة لن تختار المؤيد وتجنب المعارض، فلسوف يسقط نتيجة ترتيبات النظام الايل للسقوط ضحايا ابرياء من جميع الاطراف فهو لن يرحم المعتقليين السياسيين في سجونه، ولن يشفق على مجندي الجيش السوري الذين هم غالبا من الاكثرية الصامتة التي تجر جرا الى الخدمة الالزامية، ومن خدمها يعرف مأساة هؤلاء المجندين.
اما القسم الثاني الرافض للضربة، فهم من المؤيدين للنظام وطبقة المستفيدين من فساد النظام وأجهزته الامنية، يردفه فئة جديدة خرجت من المعارضة لتصب في موالاة النظام إما جهلاً او طمعاً في دور ما. وهذا القسم يرفض الضربة خوفا على مصالحه وليس حباً بالشعب لانهم بمساندتهم للنظام دفعوا الى الوصول الى ضرورة مثل هذه الضربة.
اما في الوسط فالقسم الثالث الذي يحتوي على العقلانيين والواعيين من القوى السياسية المعارضة التي عارضت هذا النظام لسنوات طويلة، وهي ان قبلت بالضربة فذلك حقنا لدماء السوريين التي مع الاسف لا يمكن ايقاف شلال الدم هذا الا بالاعتماد على القوى الخارجية، وهم يعرفون جيدا بأنه لا يمكن أسقاط مثل هذا النظام الا بالقوة الخارجية وذلك لسبب واحد، لان هذه القوى الخارجية هي التي حمت، طيلة أكثر من نصف قرن، الحكومات الديكتاتورية في المنطقة.
ما ميز القسمين الأولين هو الحماس السياسي الذي أشتهر به الخطاب الاعلامي العربي، حيث ذكرنا هؤلاء بأحمد سعيد، الاذاعي المصري الذي في حزيران 1967 حول إذاعة “صوت العرب” الى بوق خدع كل المواطنين ” من المحيط الهادرِ الى الخليج الثائرِ” بأن سقوط اسرائيل بات قاب قوسين او ادني، ليستفيق هؤلاء في اليوم الثالث من حزيران امام حقيقة مؤلمة بهزيمة نكراء أرجعت المنطقة العربية سنوات طويلة، ولا زلنا حتى اليوم نعاني من نتائجها المرعبة الا وهو استمرار الانظمة المسببة لهذه الهزيمة في قمع شعوبها عبر الاجهزة الامنية التي اذلت المواطن في المنطقة العربية. بالطبع شمل التذكر صدام حسين ومقولته الشهيرة ” وسيخرون ساجدين على ابواب بغداد” وكذلك بوزير اعلامه الصحاف ونظرية العلوج.
لقد حول هؤلاء صفحات التواصل الاجتماعي الى اذاعات مصغرة لأحمد سعيد والصحاف، ناسيين او متناسيين ضرورة القراءة ما بين السطور، ومعرفة كيفية القراءة، لذا تحدث هؤلاء بطريقة انصاف المثقفين الذي تحدث عنهم ياسين الحافظ عندما قال ” بأن المثقف الذي لا يعرف الا لغة واحدة هو نصف مثقف” وكان في الحقيقة يقصد بأن المثقف الذي لا يستمع الا للغة التي تهتويه هو من انصاف المثقفين. لقد تسرع هؤلاء المطالبين بالضربة بالتنديد بالرئيس اوباما وكأن هذا الاخير هو رهن اشارتهم، اما الرافضين للضربة فلقد تصرفوا كمنتصريـن، وهم في الحقيقة واهمين لان الرئيس اوباما لم يرفض الضربة العسكرية، ولكنه فضل ان يأخذ رأي المؤسسات الدستورية، احتراما لهم كممثلين للشعب الامريـكي، ولقد ترك الباب مشرعا بأنه قد يستخدم حقه الدستوري ولا يأخذ برأي الكونغرس، ان رفض دعمه في توجيه الضربة، وقد يوجه للنظام السوري الضربة العسكرية، التي قد تكون قاضية عليه.
من أهم نتائج التهديد الاوبامي بالضربة العسكرية، كان كشف زيف الدعم الروسي الايراني للنظام السوري، فالروس أقروا بأن حدود دعمهم للنظام السوري لن يتجاوز بيع الاسلحة واستخدام حق النقض، وهم ليسوا على استعداد لدخول حرب غير متكافأة مع الغرب. اما الايرانيين فحدود دعمهم للنظام هو في حدود مصالحهم، وكل ما يتحدثون عنه من تدمير اسرائيل ليس الا بالونات قد تنفس عند اول دبوس.
مما لا شك فيه بأن تداعيات الضربة العسكرية الغربية ضد النظام السوري سيكون لها تداعيات ايجابية وسلبية، من ايجابياتها أمكانية سقوط النظام وبناء الدولة المدنية السورية، ومن سلبياتها دفع المواطن السوري لضريبة باهظة نتيجة هذه الضربة. على كل حال من أوصل سورية الوطن الى نقطة الاعودة هذه هو النظام الطاغي الباغي قاتل الاطفال والشيوخ والنساء والناس العزل.