ما ان أعلنت نتائج الانتخابات الرئاسية الايرانية، والتي اسفرت عن نجاح المرشح الإصلاحي المعتدل، الشيخ حسن روحاني على منافسيه الستة المحافظين وأغلبهم متطرف، حتى أخذت وكالات الانباء تتناقل هذا النجاح الساحق، الذي هو أشبه بنجاح الرئيس خاتمي الذي كان أيضا نجاحا ساحقا.
ليست فقط وكالات الانباء هي الوحيدة التي علقت على هذا الفوز، بل شاركتهم بذلك صفحات التواصل الاجتماعي، وخاصة السورية منها سواء المعارضة منها او المؤيدة، وكان التشاؤم او التفاؤل هو الغالب على اراء الأصدقاء، وبعضها كان لا مبال معتبرا الانتخابات كأنها لم تكن .
السياسة هي فن الممكن، وما حدث في ايران تغييري الى حد ما، فالفرق الكبير بين روحاني وخصومه انما يدل على تململ الشعب الإيراني من السياسة المتطرفة لأحمدي نجاد، وخاصة على المستوى الاقتصادي، حيث لم يخفي الشباب الصاعد رفضه للدعم الايراني المالي للنظام السوري ولحركات ” المقاومة ” مثل حزب الله في لبنان وحماس في غزة، التي هي على حساب الشعب الايراني.
بالطبع التغيير ليس ولن يكون راديكاليا، بل هو تغيير من ضمن النظام، ولكن هذه النتيجة الكبيرة تبعث مؤشرات ايجابية بأن مرحلة روحاني ستكون مرحلة تغييرية، وخاصة على الصعيد الداخلي، وعندما ينجح التغيير في الداخل يكون مقدمة الى النجاح في الخارج، فعلينا ان لا ننسى كما يقول ياسين الحافظ، بأن ما بين الداخل والخارج علاقة ديالكتيكية، فالتطور والنجاح في الداخل ينعكس على تطور ونجاح العلاقات مع الخارج.
اليوم في ايران رئيس جديد، وسواء قبلناه ام رفضناه فهو موجود وسنكون مجبرين على التعامل معه، حتى مرشد الثورة الايرانية، الولي الفقيه، التي في يده كل السلطة مجبر ان ينفتح على الرئيس الجديد لانه من أختيار الشعب. هنا علينا ان نقلب المعادلة، أيهما أفضل وجود إصلاحي معتدل في سدة الرئاسة أم وجود رئيس أحمق مثل أحمدي نجاد؟ قطعا الرئيس الاصلاحي أفضل بكثير ويجب الدفع على نجاحه.
ما حدث في طهران الاسبوع الماضي، سيكون له تأثير على المنطقة، ولكن ليس بالسرعة التي يتوقعها العديد من المتسرعين، فلقد حكم هؤلاء على الرئيس روحاني سلفا بالفشل، حتى قبل ان يستلم السلطة السياسية والرئاسية في طهران.
من يدرس تصريحات الرئيس روحاني اليوم عن الازمة السورية قد لا يرى فيها تغيير، ولكنه في الحقيقة فيه نوع من الاعتدال، وقد يتغير هذا الرأي بعد إستلام سدة الحكم عندما سيجد مدى تأثير المساعدة الايرانية للنظام السوري على الاقتصاد الايراني. كذلك، قد يغيـر الرئيس رأيه عندما سيمد يده الى دول الخليج، ولنـا في تجربة الرئيس خاتمي بعلاقته الطيبة مع محيط ايران من الدول، خير دليل على ان وجود رئيس معتدل أفضل بكثير من وجود رئيس متطرف في العلاقة مع دول الجوار.
لن يختلف اثنين على ان ايران، بسب السياسة الخاطئة للرئيس الايراني السابق أحمدي نجاد سواء في الموضوع النووي الايراني، او في الموضوع السوري او دعم الحركات ” المقاومة “، قد عانت أقتصاديا وهي لم تعد تتحمل هذه المعاناة، لذلك كان نسبة المشاركين في الانتخابات كانت عالية وحاسمة لصالح التغيير.
اذا التغيير في ايران محتمل ولا بد منه، وبقناعتي حتى الولي الفقيه بات يعـرف بأن التغيير لابد منه وخاصة بعد معاناة هذا الولي الفقيه مع الرئيس السابـق أحمدي نجاد في السنتين الاخيرتين من حكمه. وما رفض ترشيح مشائي، وهو نسخة متطابقة لاحمدي نجاد الا مؤشراً بأن الولي الفقيه لا يريد ان يتعامل مع شخصية كهذه ومن هنا رفض قبول ترشيح مشائي وغيره من المتطرفين.
انا مع التفاؤل بالتغيير في طهران وسيرها نحو الاعتدال، خاصة ان الرئيس روحاني يتمتع بدعم القوى الاصلاحية التي ساعدت على نجاحه، عبر تدخل الرئيس محمد خاتمي بسحب كل المرشحين الاصلاحيين ودخول المعركة الانتخابية بمرشح واحد ضد المحافظين الذين لم يستطيعوا ان يتوحدوا حول مرشح واحد، من هنا كان النجاح، كما قال الرئيس روحاني، للاعتدال على التطرف.