في الذكرى الثالثة لميلاد السيد المسيح بعد الثورة
المسيحيون مواطنون وليسو سلعة
يمر علينا في هذه الأيام عيد ميلاد السيد المسيح، وهو العيد الثالث منذ انطلاق ثورة الشعب السوري، وهذا العام ايضا تمر علينا هذه الذكرى وطفل مغارة بيت لحم، حزين، هذا العام ايضاً، وعينه تدمع من الأسى على الوطن السوري الذي يستباح شعبه، ولن نبالغ اذا قلنا بأن السيد المسيح يبكي دماً على أطفال سورية الذي يرهق دمهم بشكل بربري ولا أخلاقي.
منذ ان قامت الثورة والنظام وأعوانه يحاولون ان يستغلوا المسيحيين والمسيحية، فأثر انتشار الثورة الى حمص، أطلق النظام عبر المندسين لصالحه شعاراً قذراً ” المسيحيون الى بيروت والعلويون الى التابوت”، وهو في الحقيقة شعار جاء رداً على شعار الثوار “واحد، واحد، واحد، الشعب السوري واحد”، الذي كان يعبر عن طموحات الشعب السوري في صهر كل مكوناته تحت لواء المواطنة.
اليوم وأثر تطور الاحداث، وصعود موجة المتطرفين الاسلامويين، وتدخل حزب الله والعراقيين المتطرفين والحرس الثوري الايراني، وخطف المطران مار غريغوريوس يوحنا ابراهيم والمطران بولص اليازجي، وفي الاسابيع الماضية كان خطف راهبات معلولا، هذه المدينة التي سلمها النظام في كلا المرتين بلا قتال يذكر، واذا كان قد فشل في المرة الاولى ان يخيف المسيحيين، فانه اراد بتسليمه معلولا للمرة الثانية، ان يقول للعالم الغربي بأنه الوحيد القادر على حماية المسيحيين والاقليات من القوم الاكثري.
هنا لابد ان نقول له وللمتعاونين معه بـ ” أن ارفعوا أيدكم الفاسدة عن المسيحيين في سورية، فالمسيحيون ليسو سلعة بل هم مواطنون لهم ما له المكون الآخر وعليهم ما عليه، فنحن نرفض ان نكون سلعة في يد نظام بائد.”
هنا لابد ان نستنكر خطف المطرانين، والذي تربطني باحدهما، وهو المطران يوحنا ابراهيم صداقة متينة، وهو يدفع بخطفه ثمن مواقفه المسيحية الصحيحة، وقبل ذلك الأب باولو داليليو، الكاهن اليسوعي الذي أغضبت رسالته “من وحي الميلاد” السلطة الاسدية الباغية، فتم سحب إقامته وطلب منه عبر السلطات الدينية المسيحية مغادرة سورية، وكل غضبهم عليه لقوله بأن قدر المسيحيين والمسلمين ان يتعايشوا، مظهرا تأييداً للثورة منذ ايامها الاولى، والذي عبر عنه في رسالته الرعوية للمسيحيين ” من وحي الميلاد.” كذلك الراهبات في معلولا، اللواتي رفضن مقولة النظام بأنه كان هناك أعتداءات على الأديرة التاريخية فيها، وهو ما أغضب النظام وصب غضبه على المدينة دون التمييز ما بين دير القديسة تقلا، وفندق السفير، فأصاب بعض الكنائس باضرار كبيرة.
ليس فقط النظام هو من إستغل المسيحيين، بل العديد من القوى المساندة له، من أمثال ميشيل عون وصهره وأعوانه، الذين ينظرون الى المسألة المسيحية نظرة حولاء، حيث انهم لم يروا الا طرفاً واحداً، ونسيوا بأن النظام الحليف قد دمر كنيسة أم الزنار في حمص، تلك الكنيسة الاثرية التي تم قصفها بكل صفاقة، وغيرها من الكنائس في كل انحاء سورية، وذلك لكي يساوي ما بين الكنيسة والجامع في الدمار.
المسيحيون مواطنون مثلهم مثل باقي مكونات المجتمع السوري، لهم حقوقهم الذي هضمها النظام والذي جعل منهم مواطنين من الدرجة الثانية من خلال المادة الثالثة والرابعة من الدستور. لقد فهم العديد من المسيحيين بأنهم ليسوا بمحيدين عن ثورة كرامة الشعب السوري، ومن هنا كان إنخراطهم في هذه الثورة، ولقد سقط منهم الشهداء ايضاً، ودخل العديد منهم سجون النظام الآيل الى السقوط، وعانوا مثل باقي الشعب السوري، من نتائج ضرب النظام للمدن والقرى السورية، من دمار وحصار وتجويع، مما دفع العديد من المنظمات الشبابية المسيحية في حلب مثلاً، ان تطبخ وتعمل على إعالة المهجريين من بيوتهم، والذين احتموا بالمدارس.
بالطبع هناك بعض المسيحيين قد انخدع بالشائعات التي اطلقها النظام، من هنا كان إنخراط هولاء في اللجان الشعبية او الوطنية، وكل هذه اللجان لم تكن أكثر من واجهة لكي يدفع النظام، الذي فشل في قهر الثورة، فاستعاض عن القوة العسكرية بقوى مساندة لكي يضرب السوريين بعضهم البعض، ومن الطبيعي ان يسقط بعض القتلى منهم، فالقتال لا يفرق ما بين المسيحي الاورثوذكسي او الكاثوليكي وما بين المسلم السني والعلوي والدرزي والاسماعيلي، فمن يقاتل معرض للقتل ايضاً.
اليوم والطوائف المسيحيية الغربية منها والشرقية، تحتفل بذكرى ميلاد السيد المسيح، فاننا نتجه اليه مصلين بأن يحل السلام والمحبة في ارض سورية الحبيبة، التي إنتمى اليها منذ اكثر من ألفي سنة، عسى ان نرى السلام والمسرة تسود سورية في دولة المواطنة التي يؤمن بها كل سوري شريف، فهي الوحيدة التي تلغي كل الفوارق الدينية والمذهبية والعنصرية.