“لو قرر(المسيح) اليوم العودة إلينا لكان أول ما سيفعله النزول إلى الشارع والمشاركة في المظاهرات المطالبة بحرية وكرامة الإنسان، والذهاب إلى الخالدية وادلب ومعرة النعمان والحفة وسلمى وبانياس ودوما وعربين وكفر بطنا والحراك والمسيفرة، لمشاركة أهلها في موتهم وآلامهم، وربما مخاطبة ربه من جديد معاتبا: إلوهي، إلوهي، لم شبقتني: إلهي، إلهي، لماذا تركتني (تركتهم)، وهو لن يقبل بالتأكيد أن يكون الوكيل البطريركي المطران لوقا الخوري، الذي سلم المسيحيين والمسيحيات الخمسة إلى المخابرات، كاهنا في كنيسة تحمل اسمه، ولطرده منها بالغضب الذي طرد به التجار من الهيكل!” ميشيل كيلو
الاحداث التي تجري اليوم في سورية تضع المسيحين في موقع لا يحسدون عليه، هل يشاركون في الثورةام لا ؟ هل يقفون مع النظام ام لا؟ ما هو موقف أمراء الكنيسة في دفع أبناء الكنيسة الى الوقوف مع الحق ومع الشعب، أم دفعهم الى تأييد الإستبداد؟ هل الكنيسة بخير ام هي، كما يقول ميشيل كيلو، ” ليست الكنيسة بخير. إنها مريضة إلى الدرجة التي تجعلها لا تشعر بآلام وعذابات من إفتادهم يسوع الناصري بحياته. ولا بد من أن ينتفض الكهنة ضد أمرائها»، ويخرج الشعب عن صمته ويهجرها لأنها لا تشعر بعذاب وموت المعذبين، بل تعيش راضية هانية وسط الموت وانهار الدماء البريئة المسفوحة. ولا بد من أن يقاطعها المسيحيون إلى أن تعود كنيسة للشعب: المسلم كالمسيحي، لكونها بهذا وحده تكون ما عليها أن تكونه: كنيسة الرب، لا كنيسة أمراء المخابرات!“
العشرة الايام الأخيرة شهدت الساحة المسيحية في سورية حدثين هامين، يلخصان الأزمة في الكنائس المسيحية السورية وبالتالي المسيحية السورية، وهذين الحدثين يشكلان موقفين متناقضين الاول شعبي مسيحي حقيقي، وهو الموقف الذي يجسده الراهب اليسوعي باولو داليليو والثاني موقف امراء الكنيسة كما يجسده تعاون المطران لوقا الخوري مع الأمن وتلسيمه خمسة من ابناء كنيسته جاءوا لتنويره حول ضرورة تغيير الكنيسة لموقفها من تأييد النظام التعسفي.
الاب باولو او الراهب بولص كما يحلوا لسكان المنطقة تسميته، المسلمين قبل المسيحيين، ايطالي الجنسية سوري الهوى، يقف الموقف الصحيح الذي يجب ان تقفه كنيسة المسيح، ابن الانسان، للوقوف الى جانب الحق ضد الباطل، مضمدا جروحات الشعب السوري دون النظر الى الهوية الدينية او المذهبية للجريح، وعملا بتعاليم الانجيل، ومعلم الانجيل، كان يواسي الحزانى ويفتش عن المفقودين، ويزور المساجين وأهم شئ كان يشارك الانسان السوري ألمه وعذاباته ووقوفه الى جانبه من أجل المطالبة بحريته وكرامته. لذا خافت منه السلطة القمعية وقامت بطرده، عبر سحب إقامته والضغط على رؤوسائه بسحبه من الدير الذي حوله الى دير للحوار مع الآخر لذا أحبه المسلم قبل المسيحي.
إعتبر الاب داليليوا بأن الصمت في ما يحدث من مذابح لم يعد مقبولا، وبأن آن الاوان لوضع الكلام النظري موضع التنفيذ، من هنا ترك صومعته في دير مار موسى الحبشي ونزل الى المدينة الجريحة، حمص ابن الوليد، حمص البطولة، لينفذ ما كان يبشر به بالتأخي الاسلامي المسيحي موضع التنفيذ. كانت كل البيوت تفتح له، ولقد شاهده كل العالم يجالس الثوار ويشاركهم طعامهم اليومي، ويعش حرمانهم وألمهم. وهو يعتبر بان ” المسيحين ما تعلموا الديموقراطية في الكنائس،” متهما السلطة الكنسية بخدمة الامن، ليس هذا فحسب بل بكمل اتهامه لامراء الكنيسة بأن” الكنيسة سُخرت كأدوات لتوطيد الانظمة الديكتاتورية في سورية.”
اما الوجه الثاني، الوجه البشع، الوجه الامني للكنيسة المتعاونة مع النظام الاسدي لقتل ابناء شعبها، ومن هؤلاء العديد من المسيحيين، فيمثله بشكله الامثل والمتطرف مواقف” المطران” لوقا الخوري، والذي في الحقيقة لا يستحق ان يدعى مطرانا. منذ بداية الازمة وقف هذا المطران وبشكل سافر ووقح مع النظام القاتل والفاسد. فهو الذي حرض ابناء كنيسته برشق السفير الامريكي فورد، بالبيض والبندورة، وهو اليوم يستجدي منه تأشيرة دخول الى الولايات المتحدة الامريكية. وتصريحاته الكثيرة المؤيدة للنظام، مع ان نسبة المشاركة للمسيحيين في الحراك الثوري هي أكثر من عشرة بالمئة من الثوار، وهو ما يعاد نسبة المسيحيين في سورية وبالطبع هناك الكثير من المسيحيين من قيادات المعارضة سواء في الداخل ام الخارج.
وفي موقف تشبيحي آخر اغلقت إحدى الكنائس في وجه المصلين الذين أرادوا إقامة القداس وصلاة النياح (الجناز) للشهيد باسل شحادة، الذي استشهد في المدينة المنكوبة حمص البطولة، مما اضطر هؤلاء الى اقامة الصلوات على روحه في الساحات والجوامع… هذا الموقف لم يعد موقفا تشبيحيا فقط بل أصبح انحطاطا أخلاقيا لرجل الدين المسيحي التشبيحي.
يزور هذا الاسبوع الولايات المتحدة الامريكية، وكاليفورنيا و لوس انجلوس نصيب من هذه الزيارة، ثلاثة من شبيحة النظام، مفتي الجمهورية أحمد حسون، الذي خرج عن إجماع طائفته وأيد النظام بشكل كامل، ليس هذا فحسب بل هدد في مرحلة من المراحل الولايات المتحدة الامريكية وأوروبا بخلايا إستشهادية نائمة، وبأنه سيفجرهم يوم يتم الاعتداء على النظام السوري. والزائران الآخران وهما ” المطرانان” الشبيحان، لوقا الخوري وجوزيف العبسي. هؤلاء هم رسل الشيطان وليسوا رسل لا النبي محمد ولا رسل السيد المسيح. فزيارتهم الى الولايات المتحدة الامريكية تطرح أكثر من سؤال وتدعي الى أكثر من موقف حيث على القوى المعارضة للنظام في الولايات المتحدة الامريكية، الى التظاهر ضد هؤلاء ولكن بشكل حضاري وسلمي حتى يعرفوا بان أوراقهم مكشوفة وبأنهم مرفوضين من مذاهبهم وطوائفهم.
ذكرني موقف المطران الشبيح لوقا الخوري، بكتاب الكاتب اليوناني نيكوس كازانتزاكي”المسيح يصلب ثانية او ذاك الذي يجب ان يموت،” حيث يشير كازانتزاكي الى تعاون الكنيسة اليونانية مع السلطة العثمانية من أجل مصالحها، ووقوف بعض الكهنة الوطنيين ضد هذا التعاون. ما يحدث في الكنيسة السورية اليوم هو مماثل فلقد باع امثال “المطران” لوقا الخوري نفسهم الى الشيطان بتعاملهم مع الامن ضد ابناءهم، وموقف الاب باولو والكثير من امثاله، من مطارنة وكهنة، الذين يقفون ضد الموقف الرسمي للكنيسة السورية، الشريكة مع النظام بقتل وتهجير وتدمير الشعب والمدن السورية.