في الثلاثين من شهر نوفمبر 2012، صوتت الأمم المتحدة على قرار بقبول فلسطين كدولة بصفة عضو مراقب باكثرية 138 صوتا مع و9 اصوات ضد و41 امتناع، ولقد جاء هذا القرار استنادا الى قرار الجمعية العامة التابعة لهيئة الأمم المتحدة رقم 181 والذي صدر بتاريخ 29 نوفمبر1947، والمعروف بقرار التقسيم، والذي يقضي بتقسيم فلسطين الى دولتين، دولة عربية باسم فلسطين وأخرى يهودية باسم اسرائيل، يومها أيضا نال القرار اكثرية 33 مع، 13 ضد، 10 ممتنع .
انها لمصادفة عجيبة فالفرق بالايام يوم واحد من شهر نوفمبر ولكن في حساب الزمن تأخر القرار الثاني عن الأول 65 عاما، قضمت خلالها اسرائيل قطعة قطعة الأرض الفلسطينية منها ضما ومنها احتلالاً. 65 عاماً مضت ليقبل الفلسطينيون، بكل فصائلهم، بدولة مراقبة وليس دولة كاملة العضوية كما كان يقضيه القرار181، لنهلل كالعادة لنصر وهمي آخر من انتصاراتنا الجوفاء.
خلال السنوات الخمس والستين التي فصلت بين القرارين كان الشعب الفلسطيني ضحية جهل الحكومات العربية لألف باء السياسة. ولو، وفي السياسة لا يوجد لو، كما يقول الراحل الدكتور جمال الاتاسي، قبلت الدول العربية انذاك بالقرار 181 كم كان وفر للشعب الفلسطيني من المعانات والعذابات، ذاق خلالها مرارة التشرد والتشتت في أرض الله الواسعة.
يومها خونت الحكومات العربية الدولة السوفياتية، ومعها الأحزاب الشيوعية التابعة لها كالظل، لقبولها بقرار التقسيم هذا، الذي كان يعطي للشعب الفلسطيني دولة مساحتها أكبر بكثير من ما أعطى للاسرائليين وأكثر بكثير من ما أعطاها القرار الجديد بدولة بحدود 1967، حيث منيت الدول العربية بهزميتها الكبرى في حرب الأيام الستة.
يشكل هذا القرار إنتصارا نفسيا أكثر منه سياسي، حيث أخيراً استطاع الفلسطينيون ان يحصلوا على اعتراف غالبية دول العالم على أنهم يستحقون دولة ولو كانت دولة مراقبة في الأمم المتحدة، هذا على المستوى النفسي، اما على المستوى السياسي فهذه الصفة هي تقدم خطوة واحدة إلى الامام بعد سلسلة خطوات الى الوراء.
في المقابلة التي اجريناها في جريدة العرب المناضل الفلسطيني الكبير الراحل فيصل الحسيني، الذي تحدث عن مرارة القضية الفلسطينية، وكيف خون جده الشيخ أمين الحسيني لمجرد تفكيره بقبول قرار التقسيم، حيث حرضت الدول العربية القائمة أنذاك الشعب الفلسطيني ضده، موهمة الفلسطيني بأن العودة وتحرير فلسطين ورمي اليهود بالبحر على الابواب.
لو عدنا الى التاريخ الفاصل بين القرارين، وقمنا بدراستها بطريقة عقلانية، لاعترفنا بأن عدم القبول بالقرار 181 كان جريمة بحق الشعب الفلسطيني اولا والشعوب العربية ثانية، حيث خلال هذه السنوات المتباعدة استطاع العسكر ان يسيطر على الحياة السياسية في الساحة العربية.
خلال هذه السنوات صرفت الميزانيات الضخمة على جيوش كل انتصاراتها كانت، بالبلاغ رقم واحد، وبانقلابات عسكرية سمية زورا وبهتانا بثورات مجيدة. جيوش، يوم جاءت المواجهة الفعلية، انهزمت بشكل مخزي حيث خلال ستة ايام فقط، استطاعت اسرائيل ان تحتل أرض سيناء والجولان والضفة الغربية والقدس الشرقية. هذه الميزانيات التي صرفت على “الجيوش،” لو صرفت على التنمية والحداثة لكانت الشعوب العربية اليوم تنعم بالحداثة والتقدم والرفاهية، وهي ما حرمت منه خلال هذه السنوات الطويلة.
لقد بنت اسرائيل قوتها من ضعفنا، واستطاعت الدول المتقدمة ان تتلاعب بمصير شعوبنا حتى اليوم، لأن عسكرنا الذي صرفنا عليه كل هذه التضحيات كان بطلا على ابناء شعبه فقط حيث منعهم من التسيس والديموقراطية وبناء الدول العصرية والحديثة، وهذا كل ما كانت تبغيه اسرائيل والغرب ان نبقى ضعفاء، يحكمنا جهلاء حولوا الاوطان الى مزارع والشعوب الى عبيد وخدم.
اليوم نعود الى المربع الاول لنهلل لقرار قبول فلسطين “دولة مراقبة في الامم المتحدة” بعد ان فشلت بالحصول على صفة الدولة الكاملة العضوية لتحكم الفيتو الامريكي في مجلس الأمن الرافض لهذه الصفة. فهل تكون هذه العودة الى المربع الاول درساً لنا بابعاد العسكر وأجهزته الأمنية عن حياتنا، واعطاء السياسة والتنمية والحداثة حقها، ولا يمكن ان يتحقق هذا الى بالديموقراطية التي تدفع اليوم الشعوب العربية ثمناً غالياً للحصول على بدايات الدول الديموقراطية في المنطقة العربية، وما لنا بالثورة الديموقراطية السورية الا نموذجا لذلك.