مقدمة:
تدخل الثورة السورية عامها الخامس، سواء اعتبرت مظاهرة الحريقة بدايتها، او مظاهرات أطفال درعا، ومع استمرار خضوع النظام الاسدي لكل من روسية وايران، وسورية قد فقدت استقلالها لتقع تحت كل من الاحتلالين الإيراني والداعشي. ومع اطلالة العام الخامس أعلنت ايران عن لسان أحد كبار المسؤولين الإيرانيين، المستشار الخاص للرئيس روحاني، لشؤون القوميات والأقليات الدينية، علي يونسي، بأن أيران إمبراطورية عاصمتها بغداد، بالطبع يمتد حدود هذه الإمبراطورية ليشمل كل دول المنطقة، ليضم الى هذه الإمبراطورية كل من سورية والعراق ولبنان، واليمن. بهذا التصريح لم تعد نوايا ايران الاستعمارية بخافية، وهي لا تختلف ابدأ عن نظيرتها الدولة الإسلامية، هذه تريد ان تبني إمبراطورتيها وتلك تريد ان تعيد بناء الخلافة الإسلامية التي انتهت مع نهاية العهد الراشدي، لتصبح كما يقول الشيخ علي عبد الرازق في كتابه “الإسلام واصول الحكم”، عبارة عن مملكة يتوارث الملك فيها الأبناء، الواحد للآخر، وينطبق هذا الكلام على الحقبات الاموية، والعباسية بكل حقباتها، وصولاً الى الخلافة العثمانية، التي اسقطت المنطقة في عصر انحطاط لم تقم منه حتى الآن.
لن ينفع بأي شكل من الاشكال تراجع علي يونسي عن تصريحاته ومحاولة تبريرها والتخفيف من حدتها من قبل بعض المسؤولين الإيرانيين، واذا كان ما قاله يونسي ليس بالصحيح، فماذا نسمي تصريحات عضو البرلمان ذاك الذي يعتبر بأن سورية هي المحافظة الخامسة والثلاثين من ايران، وتصريحات الفريق يحيى رحيم صفوي القائد السابق للحرس الثوري الإيراني، والمستشار العسكري الحالي للمرشد الإيراني الأعلى. الذي يصرح ويقول: “حدودنا الغربية لا تقف عند شلمجة – على الحدود العراقية غربي الأهواز- بل تصل إلى جنوب لبنان، وهذه المرة الثالثة التي يبلغ نفوذنا سواحل البحر الأبيض المتوسط.”، كما ان تصرفات قاسم سليماني في كل من لبنان وسورية والعراق لا تنم الا عن تصرفات قائد عسكري استعماري، او مندوباً سامياً، ولكن تحت غطاء تصدير الثورة الإسلامية.
اسقط النظام الاستبدادي في دمشق، سورية في قبضة الحرس الثوري الإيراني ومنظماته الأمنية ومليشيات الملحقة به، التي تتصرف في سورية كجيش احتلال وليس كجيش انقاذ للطاغية الاسدي، ولحماية ” العتبات المقدسة من مقام السيدة زينب الى مقام السيدة سكينة الى مقام السيدة رقية” ومن يدري عن أي عتبات أخرى سيدافع جيش الاحتلال الإيراني البربري.
هل اندثرت الثورة في مطلع عامها الخامس، ام انها لا تزال مستمرة ومتوقدة، رغم سقوط سورية تحت الاحتلالات الأجنبية سواء الإيرانية منها أو الإرهاب الاسلاموي المتمثل بداعش وحالش وكل المنظمات المتحالفة معها. ان مجرد بقاء الثورة مستمرة طيلة أعوام خمسة، وعدم انهزامها امام بريرية عصابات الحكم الأسدي هو أكبر دليل على هذه الاستمرارية.
ليس هذا فحسب فالنظام الاسدي قد سقط، ومنذ العام الأول للثورة، فهذه البربرية، وهذا الدمار وهذا العنف وهذا الاستنجاد بكل قوى الشر، لا يمكن ان يكون الا من قبل نظام قد انتهى عملياً على الأرض. وهو نظام قد اصبح رهينة للجيوش والميلشيات التي أتت لتنقذه، فاذا لها اجنداتها، لتحتل سورية وتحولها الى دولة تحت الاحتلال.
خمس سنوات ولم يترك الأسد وسيلة الا واستنجد بها، محاولاً ان ينهي صمود الشعب السوري، الذي رغم انه تعب واثخن بالجروح فلا زال صامداً، في وجه كل أنواع الإرهاب من إرهاب الدولة الى إرهاب المنظمات المتطرفة. وأخطر سلاحين استخدمهما النظام الاسدي كانا سلاحي الطائفية والعنصرية، ففي الأولى فشل في إقامة “حلف الأقليات” الذي بشر به هو وبعض حلفائه من القوى اللبنانية من أمثال العماد ميشيل عون ووئام وهاب، وفشل في هذا المضمار، ورغم بعض الحوادث المثيرة لغضب الأقليات، فنستطيع ان نقول بأن هذا السلاح قد فشل بشكل وبآخر، وهو يمارس هذا السلاح منذ سيطرة الاب على مقاليد السلطة عام 1970، وهي التي أوصلت سورية الى ما وصلت اليه.
والسلاح الآخر الذي استخدمه كان سلاح العصبية القومية، حيث حاول ان يلعب بورقة حقوق الشعب الكردي، وان يتلاعب بمشاعرهم القومية من خلال اعطائهم بعض الحقوق، التي هي بالأصل لهم، وما رفض العديد من القوى الكردية لتصرفات قوات صالح مسلم الا خير دليل بأن كل مكونات الشعب هي رافضة للطائفية والعنصرية.
تدخل الثورة السورية عامها الخامس وهي مثخنة الجراح، ولكنها ليست بمهزومة كما يحاول البعض ان يصورها، وأن ضعف المعارضة وتشتتها قد اضعفها هي أيضا، ولكنها لا تزال صامدة في وجه الطغيان الاسدي والاحتلال الإيراني والداعشي لسورية.
نشرت في جريدة العرب العدد 1118 في الأول من نيسان 2015