الشائعات وصفحات التواصل الاجتماعي بقلم بهنان يامين

 

الشائعات وصفحات التواصل الاجتماعي

                                               بقلم بهنان يامين

3 بهنان يامين

    يرتدي مفهوم الشائعة أهمية قصوى في حياة الشعوب افرادا ومجتمعات، فلو اردنا ان نعرفها فهي حسب المتداول " الشائعة هي نشر أخبار مشكوك في صحتها يقوم بها مصدر، وتتعلق بكافة نواحي الحياة المختلفة. ولا بد أن يكون لها موضوع ذو أهمية وغموض لدى الأفراد القابلين لتصديقها والمتفاعلين معها حتى تنتشر في المجتمع. وهي ذات سمات وخصائص متعددة، وتتضمن عناصر معينة يتم من خلالهم ترويجها ونقلها، لأسباب وأهداف يسعى إلى تحقيقها. وتعرف ايضا الشائعة هي رواية مصطنعة عن إفراد أو مسؤولين يتم تداولها شفهيا بأي وسيلة دون الرمز لمصدرها أو ما يدل على صحتها وتتعرض دائما للتحريف والزيادة."

    هذا التعريف ينطبق على الواقع الاجتماعي، ولقد تطورت الاشاعة لتتحول الى سلاح فتاك اثناء الحروب والثورات حيث يتخصص الكثيرون بفبركتها. عسكريا يعرفها البعض بالحرب النفسية، حيث تسبق الشائعة المعارك ويقوم بنشرها افراد جندوا لهذه الغاية. ولقد استغلت الاحزاب الفاشية والنازية والاحزاب التوتيلارية الشائعة كسلاح في غسل دماغ الناس لكسبهم وتجيششهم من جهة ولحقنهم ضد الآخر الذي يراد محاربته من جهة أخرى. ولقد تفنن وزير الدعاية الهتلري غوبلز، باستخدام هذا المفهوم كسلاح جماهيري لكسب الجماهير الالمانية الى الحركة النازية. تلعب وزارات الاعلام والاجهزة الامنية في الانظمة الديكتاتورية دورا هاما في نشر الشائعات لسلب الناس حريتهم وكرامتهم.

   مع التطور التكنولوجي وصفحات التواصل الاجتماعي، تطورت وسائل نشر الشائعة حيث استخدمت هذه الصفحات كسلاح لنشرها بسرعة فائقة حيث لم يعد مطلقوا الشائعات بحاجة الى افراد كثيرين بل الى بعض المختصين الذين من وراء جهاز الكومبيوتر والانترنيت، وبلحظات ان يقومون بنشرها لتنتقل كالنار في الهشيم.

  في ثورة الشعوب العربية ضد حكامهم الجائرين، لعبت صفحات التواصل الاجتماعي، دورا هاما وأساسيا، وساهمت بشكل إيجابي في سرعة نشر المعلومات والاخبار حيث لم تستطع الاجهزة المختصة بقمع عقول الناس ان تمنع التواصل الذي لم يعد تواصلاً اجتماعياً، بل اصبح تواصلاً ثورياً، وسلاحاً بكل معنى كلمة سلاح، لمحاربة الانظمة الديكتاتورية، حيث هناك صعوبة كبيرة للاجهزة القمعية ان تراقب وتحصي انفاس كل من يستخدم هذه الصفحات.

   من الشئ الطبيعي ان تستغل الانظمة الآيلة الى السقوط، في مناطق الربيع العربي، هي ايضا هذه التكنولوجيا كسلاح لمحاربة الثورات حيث نرى العديد من المواقع والصفحات تنشر الشائعات بشكل واسع مما يؤدي احيانا كثيرة الى تشويش عقول البعض، وفي غياب الوعي والقدرة على التمييز نرى العديد مِن مَن يستخدم هذا السلاح يساهم دون ان يدري بنشر هذه الشائعات التي تضر بالحراك الثوري فالانفعالية وعدم تمحيص الحقائق أدت الى نشر ما تريده الاجهزة القمعية.

   في بداية الحراك الثوري في سورية، وبالتحديد في مدينة حمص التي كانت سباقة في دخول الثورة، استطاعت الاجهزة الامنية ان تخترق الجماهير وتنشر شعارا طائفياً خطيراٍ الا وهو "المسيحيون الى بيروت والعلويون الى التابوت". هذا الشعار او الهتاف تلقفه الكثيرون ونشروه منهم عن سوء نية ومنهم عن حسن نية. ولقد وقع الكثير من الكتاب والمفكرين، الذي من المفترض بهم التحلي بالوعي والتدقيق، ضحايا هذه الشائعة والشعار  وقاموا بنشره في صفحاتهم حيث اعطوه مصداقية من خلال سمعتهم الطيبة، ومنهم كمثال فقط المفكر وائل سواح الذي دون ان يدري أساء الى الحراك الثوري ونشر على صفحاته هذا الشعار ليخيف من خلال سمعته الفكرية العديد من الناس.

   ولا يقتصر سلاح نشر الشائعات على صفحات التواصل الاجتماعي فقط فيتعداه الى وسائل الاعلام، الذي استخدمت هذه الوسائل لنشر الشائعات وأختراعها، ولقد تحول حاملي الهواتف الذكية الى مراسلين ثوريين لنقل أخبار الحراك للفضائيات والصحف، والتي ثبت احيانا كثيرة بان هذه اللقطات اليوتوبية هي ايضا مخترقة.

   في لبنان تخصصت بعض وسائل الاعلام الى وسيلة لنقل الخبر الكاذب و الشائعة، حيث أسست الاجهزة الامنية في ايران وسورية وحزب الله فضائية الميادين، لاستخدام اسم غسان بن جدو كواجهة لنشر الاشاعة، ذلك كون قناة الدنيا والمنار والاخبارية السورية لم تعد لها مصداقية في نشر الخبر.

  ولن نتحدث عن الشائعات والاخبار الذي يلفقها شارل ايوب في صحيفته الديار، حيث اصبح دوره المخابراتي بنشر الاشاعة، والذي بالمناسبة لا ينكره، مكشوفاً لكل الناس، ولكن لنتحدث عن جريدة الاخبار اللبنانية. هذه الصحيفة عندما تأسست كانت غاية رئيس تحريرها الصديق الراحل جوزيف سماحة، ان تكون منبراً ديموقراطياً، ولكن الموت الذي غيبه وتسارع الاحداث حَول هذه الصحيفة الى وسيلة لنشر الشائعات من خلال بعض الاقلام اليسراوية، والتي كان من المفترض ان تقف بصفوف الشعب السوري البطل لا مع الطاغية الاسدي، وعلى سبيل المثال لا الحصر "فنان الشعب" زياد الرحباني. هذه الجريدة اصبحت الصحيفة الوحيدة التي تنشر الشائعة وتمهد للقاءات مع النظام السوري الآيل الى السقوط.

   سنتوقف عند شائعة كبيرة نقلتها هذه الصحيفة عن الوضع في سورية، بأن الأسد الصغير، إستعاد السيطرة على الارض، وهو يدير زمام الامور ويعرف كل شوارع سورية بالاسم ويصدر القرارات المناسبة التي تغير الواقع العسكري على الارض. بالطبع نشرت صفحات التواصل الاجتماعي وبعض طيبي النية هذه الشائعة، التي يمكن ان تمحص بسهولة، فـ"الرئيس" الذي يعرف كل شوارع سورية بالاسم، يخلط في ما بين المدينة والقرية، حيث انزل في خطابه الاخير مدينة رأس العين من مدينة الى قرية صغيرة، فبالله عليكم كيف يمتلك معرفة اسماء الشوارع ولا يعرف العصا من الجزرة.

  ليس كل ما ينشر في صفحات التواصل الاجتماعي صحيحا، فالانسان الواعي عليه ان يزن بعقله ووعيه ليميز ما بين الخبر و الشائعة، وما اكثر الشائعات على حساب المصداقية والشفافية.