الرقة مدينة الرشيد، تذبح من قبل النظام الفاشي وأعوانه الدواعشة بقلم بهنان يامين

نشر هذا المقال في جريدة العرب لوس انجلوس في الاول من كانون الثاني وفي العدد السادس من الحرمل في 15 كانون الاول

الرقة مدينة الرشيد، تذبح من قبل النظام الفاشي وأعوانه الدواعشة

بهنان يامين

بهنان يامين جديدة

مع بداية الثورة وعند أول عيد يمر على سورية الثائرة، صلى الطاغية الأسدي، مع مفتيه المتشيع الحسون، في أحد مساجد الرقة، وحتى الآن لم يُفهم لما صلّى الأسد في الرقة، وبنصيحة مَنْ مِن مستشاريه، وكما لم يعرف لما فعل ذلك، كذلك لم يعرف آنذاك ماذا كان يبيت الأسد للرقة أو الرافقة كما عرفت أيضاً.

استمرت الثورة ودخلتها الرقة أسوة بباقي المدن السورية، وأول ما قام به أهلها كان إسقاط تمثال المقبور الديكتاتور الأسد الأب، ومع سقوط هذا الصنم، سقط أوائل الشهداء من أبناء الرقة نتيجة غضب النظام من انتفاضة هذه المدينة القديمة، قدم المسيحية في بادية الشام، والتي عرفت عدداً كبيراً من الكنائس والأديرة في الرقة، وأبرزها دير مار زكى، وفي الرصافة التي عرفت أول الكنائس المسيحية، وكان فيها تسع كنائس، أبرزها البازليكا "الكنيسة الكبرى"، التي تجاور مسجد هشام، حيث جدار المحراب يلاصق المذبح، وكنيسة القديس سرجيوس، الذي يعتبر من أوائل شهداء المسيحية.

فجأة انسحبت قوات النظام بلا أي قتال من مدينة الرقة، مخلية المدينة للقوى الظلامية للدولة الإسلامية في العراق والشام، وكانت أول مدينة كبرى تسقط في يد داعش بشكل كامل، لتفرض عليها نموذجاً للدولة الشرعية الإسلاموية، بعد أن فرضت هذا النموذج على مدينة تل أبيض قبلها.

من يعرف تواجد قوات النظام يستغرب عدم استخدامه للفرقة السابعة عشرة المتمركزة مع الألوية المرفقة بها في منطقة عين عيسى، التي هي تقريباً في منتصف الطريق بين الرقة وتل أبيض، وهي منطقة تعايشنا فيها مع عشائرها لأكثر من نصف قرن، حيث لم نلحظ أي تطرف إسلاموي في كل محافظة الرقة، فلماذا لم تستخدم هذه القوات، حينما احتلت داعش تل أبيض، المدينة المختلطة إسلامياً ومسيحياً، وهي المدينة المقابلة لأورفا أو الرها، تلك المدينة التي يقال بأن ابراهيم الخليل انطلق منها في رسالته السماوية، ليرتوي وجِماله من عينها، التي عرفت بعين عروس إبراهيم الخليل؟ هذا السؤال المحير والذي لم يفهم حتى الآن.

بقيت الرقة وتل أبيض تحت رحمة داعش، وحتى يومنا هذا، ومارست حكومتها الباغية عسفها وممارستها الإسلاموية على شعب محافظة الرقة الأبية، التي لم تعرف التطرف أبداً في يوم من الأيام، ففي يوم أنزلت داعش الصليب من على كنيسة سيدة البشارة، سار أهل الرقة بذاك الصليب في مظاهرة متحدين بذلك سلطة داعش، التي لم تستطع أن تمنع تلك المظاهرة المعبرة عن كونها مدينة متسامحة، وبأن شعبها يرفض رفضاً قطعياً الممارسة الداعشية ضد مسيحيي الرقة.

تسلمت داعش من النظام كل المباني الحكومية والحزبية، بلا أي مقاومة، مما أثار الريبة لدى أهلها، حيث خطفت داعش واعتقلت كل من الأب باولو داليلو، فراس الحاج صالح وإبراهيم الغازي وغيرهم الكثيرين وكلهم من أعداء النظام. لا زال الجميع يتساءل: لماذا خلال سنتي الاحتلال الداعشي للرقة لم تتحرك قوات النظام؟ بل أكثر من ذلك، وبعد أن احتلت داعش الموصل واستعرضت قواتها في ساحات الرقة، سلم لها النظام وبطريقة خيانية بارزة الفرقة السابعة عشرة والألوية المرفقة، وكذلك مطار الطبقة حيث أعدمت داعش ضباط وجنود النظام بطريقة بربرية ممجوجة، وهم ليسوا ضحايا داعش فقط، بل هم ضحايا النظام الفاشي الذي تخلى عنهم بعد أن سحب الضباط الكبار الموالين له، وبقناعة العديد من المراقبين فإن هذه التصفيات ليست إلا لإرهاب الشعب في سورية، مع أن هذه الإعدامات لا توازي شيئاً أمام إعدامات واعتقالات والتدمير الذي مارسه ويمارسه النظام الأسدي على سورية.

الأسبوع الماضي استيقظ النظام وتذكر بأن في الرقة داعش، ولكن عوضاً عن قتال داعش التي يعرف أماكن تواجدها، لأن هناك شكوكاً بأن العديد من قادتها هم ضباط بعثيون عراقيون وسوريون، لذا يتبرقعون بالسواد ولا يكشفون عن وجوههم أبداً، فإذا بطيران النظام يضرب المدنيين ليسقط في يوم واحد أكثر من 240 شهيداً، مدمراً أحياءً بكاملها في الرقة.

الرقة، مدينة الرشيد ومصيفه، تلك المدينة التي عرفت العديد من الكتاب والأدباء، وكان أبرزهم الدكتور عبد السلام العجيلي ذاك الأديب الكبير الذي لم يترك الرقة حتى موته، ولقد عرفت شخصياً العديد من هؤلاء الأدباء، لماذا ذبحت هذه المدينة مرتين، مرة على أيدي النظام قبل الثورة وخلال الثورة وبعد الثورة، ومرة أخرى على يد داعش الغريبة على أهل الرقة، وعلى كل أهل سورية؟ سؤال يرادفه سؤال آخر لماذا الرقة وليست باقي المدن رزحت تحت نير ظلم النظام وداعش معاً؟ هل هو بسبب رفض قسم كبير من أهلها التشيع أو تراجع من تشيع من أبنائها عن تشيعه، فعُوقبت المدينة وأهلها على أيدي أتباع النظام الإيراني المحتل لسورية؟ أسئلة وغيرها سيجيب عنها التاريخ يوم تقوم الدولة المدنية الديموقراطية السورية، بكتابة تاريخ أعظم ثورة في المنطقة، ثورة الشعب السوري ضد الاستبداد.