الديموقراطية ما بين الشفافية والمهزلة بقلم بهنان يامين

الديموقراطية ما بين الشفافية والمهزلة                                                               

      بقلم بهنان يامين

" ان الدساتير الليبرالية من طبيعتها تتجه بشكل مطرد لتأمرمن خلالها بكل ما يخدم  الذات البشرية ، اما الحكومات الصدفة من الطبيعي من خلال سلطتها، أن تأمر بكل ما يخدم مصالح من يحكم"

         شارل موريس دو تاليران

منظم خارطة اوروبا بعد سقوط البونوبارتية

    شهدت الايام الثلاث الاخيرة من الاسبوع الاول من الشهر الحالي،  ايار (مايو) ثلاثة عمليات ديموقراطية واحدة فعلية شفافة، والمقصود بها بالطبع الانتخابات الفرنسية، اما الحدثين الآخرين فهما مهزلة انتخابات بوتين والانتخابات التشريعية السورية .

   بكل رباطة جأش وقف الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مهنئا خصمه الرئيس الفرنسي الجديد فرانسوا اولاند بفوزه، ليس هذا فحسب، بل اعتبر بأن الشعب الفرنسي الذي لم يجدد له لخمسة سنوات اخرى، قد حاسبه على فشل سياسته، وهو يقبل بحكم الشعب الفرنسي ويعتبر بأن الرئيس فرنسوا اولاند هو الآن رئيسا لكل الفرنسيين. نسبة النجاح كانت ما يقارب 52% لاولاند و48% لساركوزي. هذه الانتخابات كانت ممارسة ديموقراطية فعلية وشفافة، لانها جرت تحت سقف القانون وبقوته وسلطته، ولم يستغل الرئيس المهزوم سلطته التنفيذية لصالحه، بل استغلها لصالح الديموقراطية، التي دشنتها الثورة الفرنسية، والتي دفع الشعب الفرنسي ثمنها غاليا. هذه كانت عملية ديموقراطية فعلية وحقيقية وشفافة.

   الحدث الثاني كان عودة " الطاووس "، فلاديمير بوتين، وبذلك نظلم الطاووس، الى الكرملين عبر مسرحية كجبية (نسبة الى الكي. جي.بي، الذي تخرج منه بوتين)، من الطراز الشرق الاوسطي حيث تبادل السلطة هو ودميته ميدييف الأدوار ليعود الأول الى واجهة السلطة، ويتراجع الثاني الى موقعه الحقيقي ككومبارس في السلطة. انها مهزلة "ديموقراطية" رفضها الشعب الروسي عبر التظاهرات الرافضة للمسرحية وتزوير الانتخابات  سواء التشريعية منها او الرئاسية. هذه الانتخابات كانت مهزلة وتؤسس الى ديكتاتورية جديدة في الكرملين، ولدكتاتور جديد هو فلاديمير بوتين القادم من مطبخ المخابرات السوفياتية، انها المهزلة الاولى.

  اما المهزلة الاخيرة، المضحكة – المبكية، فكانت انتخابات ما يسمى بـ "مجلس الشعب" السوري، وهي تدعي زورا وبهتانا بأنها اول انتخابات تعددية تشهدها سورية منذ انقلاب البعث عام 1963، وهذا اعتراف من هذه السلطة، بأنها لم تكن تؤمن بالتعددية قبل ذلك، رغم تعددية كاذبة لمل يسمى الجبهة الوطنية الديموقراطية. في الحقيقة ليس هناك من تعددية، لان الأحزاب المشاركة فيها هي صنيعة السلطة الامنية، الصفة الامثل للنظام السوري. بالطبع سيعود البعث الى السلطة بكتلة كبيرة، متحالفا مع أحزاب " الجبهة الوطنية التقدمية" السابقة، ومع رموز المعارضة الأمنية بقيادة جميل قدري بك، ومن هو على شاكلته.

   بالطبع لم تشارك أحزاب المعارضة، غير المرخصة، بهذه الانتخابات المهزلة، بل رفضتها ودعت الشعب السوري الى مقاطعتها، وقد كانت الاستجابة للمقاطعة كبيرة، ليس هذا فحسب بل ان بعض المحافظات شهدت عمليات إقتحام وتخريب لمراكز الإقتراع، لم تشهدها سورية في أي عملية إنتخابية قبل ذلك.

   حتى الأحزاب التي تشكلت منخدعة بما يسمى بـ "قانون الأحزاب" الباطل، قد أعلنت إنسحابها من مسرحية الإنتخابات الهزلية، لانها هي الأخرى قد اكتشفت زيفها وزيف قانون الإنتخابات وقانون الأحزاب وحتى الدستور الجديد، التي كلها مهازل لم يعد الشعب السوري، التواق الى الحرية يتقبلها.

   بالطبع نظلم الديموقراطية، عندما ننعت العمليتين المهزلتين بالديموقراطية، لاننا كلنا نعرف بأنها ليست كذلك، فهي عمليات مخابراتية مكشوفة، وكلا العمليتان تصبان في طاحونة السلطة القمعية الديكتاتورية، ومن هنا كان دفاع السلطة الامنية الروسية عن السلطة المثيلة لها في سورية والثانية تقدم للاولى ما يحقق مصالها بالعودة الى الحرب الباردة.

   قد يتشدق البعض ويقول بأن الديموقراطية ليست فقط بالذهاب الى صندوق الاقتراع، بل هي ثقافة بحاجة اليها شعوب المنطقة، بالمنطق هذا الكلام صحيح، اما في الواقع والحقيقة هو ليس كذلك. عندما ثار الشعب الفرنسي ضد الاقطاع، لم يكن المواطن الفرنسي مثقفا بالديموقراطية، ولا حتى بافكار روسو وفولتير ومونتسكيو وغيرهم من فلاسفة الديموقراطية في القرن الثامن عشر، بل تعلمها بالممارسة الفعلية واليومية، لذا نراه اليوم لا يساوم على شفافية هذه الديموقراطية، لانه دفع ثمنها غاليا، وهو على استعداد للثورة ثانية اذا حاول كائن من كان ان يخرب هذه الديموقراطية.

   اليوم والشعوب العربية تثور وتطالب بالحرية والديموقراطية، وهي بوضع افضل بكثير من الشعب الفرنسي الذي ثار من أجل حريته من خلال الثورة الفرنسية، فهي على الاقل تتمتع بقيادات ديموقراطية وواعية، صحيح انها تلاق المصاعب ولكن ومن خلال العملية الثورية والممارسة اليومية تتعلم الديموقراطية الحقيقية والشفافة، لا تلك المهازل التي تسبيح الديموقراطية، وتصادر حق الشعوب في اختيار مصيرها، ومن يمثلها بشكل شفاف وحقيقي، لا انتخاب ازلام الأجهزة الامنية التي تقمع إرادة الشعوب منذ أكثر من نصف قرن من الزمن.