شهدت الاراضي المقدسة الحجة الاولى للبابا اليسوعي فرانسوا الاول، مرة أخرى أذهل هذا البابا العالم من خلال عودته الى الجذور الأساسية للمسيحية وقمتها التواضع، والبساطة، والمحبة، وهي صفات طبعت حياة السيد المسيح ورسله والمسيحيين الاوائل. بخطواته الحثيثة نحو العودة الى الشعوب عاد قداسته الى عموم الناس وخاصة الفقراء منهم، مذهلاً العالم كله باختراقه البروتوكلات وهو ما فتئ يقوم منذ انتخابه على كرسي القديس بطرس بكسر كل التقاليد والبروتوكلات التي سار عليها أسلافه. فلقد أعاد البابا فرنسيس الاول، الكاهن اليسوعي، الى المسيحية زهوتها وعنفوانها وعودتها الى الايام الاولى للمسيحية.
بداية الزيارة كانت للضفة الشرقية من نهر الاردن، حيث كان مغطس السيد المسيح هو اول مرحلة من مراحل هذه الزيارة، حيث نزل قداسته الى اقرب ما يمكن من الماء، وكأنه اراد التبرك بتلك المياه المقدسة التي شهدت معمودية السيد المسيح منذ أكثر من ألفي عام، على يد يوحنا المعمدان، الذي كان اول شهداء الحقبة التبشيرية للسيد المسيح. والمتتبع لخشوع بابا الفاتيكان وهو يصلي في المغطس، يلحظ بأنه كان في قمة التجلي والروحانية، التي لم تشهدها زيارات اسلافه الى هذه الاراضي التي شهدت ميلاد المسيحية.
في طريقه الى بيت لحم، التي شهدت ميلاد السيد المسيح، أبـى قداسته الا وان يخرق البروتوكول طالباً من العربة التي كان يستقلها التوقف، ليقف امام جدار التعصب الصهيوني، واضعاً يده مصلياً كأنه اراد بصلاته هذه أن يدعو الى هدم هذا الجدار الذي يفصل بين مناطق الاحتلال، والذي يؤكد بأن اسرائيل هي الرافضة للسلام مع الشعب الفلسطيني رغم عدوانيتها المتواصلة ضد هذا الشعب، ولقد دعا قداسته الى إحقاق العدالة للشعب الفلسطيني وكل شعوب المنطقة داعياً للسلام في سورية حيث يقاتل شعبها منذ اكثر من ثلاث سنوات من أجل كرامته وحريته، وهذا الحرية والكرامة هي التي أكد عليها السيد المسيح من خلال تحريره الانسان يوم مات على الصليب فادياً الجنس البشري.
دخل البابا فرنسيس الاول بيت لحم ومعه رسالة محبة حيث تبادل مع الرئيس الفلسطيني محمد عباس تمنيات السلام في ربوع الاراضي المقدسة، لينطلق بعدها الى المكان الذي أجتمع فيه مع الاطفال التي شردتهم الحروب في المنطقة، سواء في الارض الفلسطينية او في سورية الحبيبة التي تنزف منذ اكثر من ثلاث سنوات، ولقد صلى معهم لاحلال العدالة للطفولة المعذبة وكانه بهذا اللقاء يؤكد مجدداً تبني المسيح للطفولة من خلال دعوته الشهيرة وقوله ” دعوا الاطفال يأتون الي…” وهي قمة التواضع والمحبة المسيحية، ولقد كانت دعوات الاطفال من خلال اللافتات التي رفعوها لقداسته لدعوته لاحقاق الحق لهم من مغتصبي هذا الحق.
المتتبع لقداس بيت لحم، يلحظ بأن قداسته وهو يستمع لإنجيل الميلاد باللغة العربية، كان متكئاً على صولجان، ولكن هذه المرة ليس صولجاناً من ذهب واحجار كريمة، بل عصا الراعي الصالح، حيث كانت من خشب، وعليها رسم الصليب وكأنه اراد ان يعلم سائر الاساقفة بأن الصولجان الحقيقي للمسيحية هو صولجان المحبة والتواضع، وهو ما طالب به السيد المسيح لاتباعه.
أكمل قداسته حجه بزيارة القدس المحتلة، حيث تبارك من الأرض التي شهدت دعوة السيد المسيح وقيام المسيحية ليزور البطريرك المسكوني الاورثوذكسي، وهنا كانت مفاجأة قداسة البابا وبلفتة تواضع غير متوقعة من أحد قَبل قداسته يد البطريرك المسكوني وكانه بذلك أراد ان يكمل خطوة سلفه البابا بولس السادس الذي تبادل اثناء زيارته للقدس عام 1964 مع البطريرك المسكوني اثيناغوراس الغاء الحرمات المتبادلة ما بين الكاثوليك والاورثوذكس، وكأنه بهذه القبلة أراد قداسته ان يخطوا اول خطوة نحو الوحدة المسيحية، بهذه القبلة على يد البطريرك المسكوني تخلى البابا فرنسيس عن كل عنفوانه ليصل الى قمة التواضع وكانه يقول للبطريرك انا اقبل يدك من أجل ان نعيد الى المسيحية لحمتها.
أكمل البابا فرنسيس زيارته الى كل من الحاخامين الاكبرين للطائفة اليهودية، ومفتي القدس والديار المقدسة وزيارة الجامع الاقصى، إضافة بالطبع لزيارة السطات الإسرائيلية وعلينا ان لا ننسى بأن الفاتيكان دولة ومعترفة من أيام عهد البابا يوحنا بولس الثاني بدولة إسرائيل.
لو أردنا ان نجمل هذه الزيارة ونعطيها عنواناً فهي زيارة ناجحة بامتياز وهي زيارة خرق كل البروتوكولات في سبيل المحبة ومن أجل التواضع التي وسمت المسيحية في عهودها الأولى.