استهلال:
“لي الشرف أن أعيش تقريبا 50 سنة في هذا البلد العزيز علي واغتنيت بكنزه وتعامل معاملة اخوية ومحبة .
مثلما شاركُت سوريا بفيضها ، أحب أن أشاركها الآن بألمها .
تسمح لي ظروفي أن أتواصل كل يوم من الداخل مع الشعب السوري وألمه ولا يمكن هذا التواصل إلا بمشاركة يومية وواقعية .
لا استطيع أن أتخيل نفسي في مكان آخر .
يعطينا الله النعمة أن أعيش هذه الظروف منسجماً مع نفسي وقناعتي شاكرا الله على كل الفيض الذي تلقيته من سوريا وسكانها “
الأب الشهيد فرانس فاندرلخت اليسوعي
هل من الضروري ان تكون ابن الوطن الذي ولدت على أرضه وترعرت بين اترابه لتحبه؟ بل يمكن ان يكون منبتك بعيداً كل البعد عنه وتحب ترابه وتعشق ابنائه، وهذه هي حال كل من الأب الشهيد الأب فرانس فاندرلخت اليسوعي، الهولندي الجنسية، والأب اليسوعي باولو داليليو، الايطالي المنبت، كلاهما أحب سورية وأهلها، وعمل على نشر سياسة السلام والمحبة ما بين مكوناتها المختلفة.
لم يحصل لي شرف ان التقي الأب الشهيد فرانس اليسوعي، ولكن كلماته الطيبة ألقت في نفسي برداً وسلاماً، وكان لصموده مع أهالي حمص المحاصرين، مسلمين ومسيحيين، وقعاً حسناً عندي، فاعتبرته رمزاً من رموز المسيحية الحقة، ولو كان هناك قديسيين فبالقطع فإن الأب فرانس هو قديس مثلهم، واستشهاده اليوم يكشف الوضع المخيف الذي وصلنا اليه، واستشهاده في فترة الصوم الكبير، تجعل هذا الاستشهاد، بمثابة جلجلته، ليذكره السيد المسيح بين ذراعيه وفي أحضان الابرار والقديسين .
ما يقال عن الأب فرانس ينطبق ايضاً على أبٍ يسوعي آخر، الذي خطفته يد الغدر والتطرف منذ ما يقارب السنة تقريباً، يد داعش، وهو الذي ذهب اليهم ليلقي كلمة المحبة والسلام فتم أختطافه، هو ايضاً أحب أهل سورية، وأرضها أكثر من ما أحبها أهل سورية، ومن يدري هل نكحل أعيننا برؤيته ثانية، ام يلحق موكب الشهداء والقديسيين.
اليوم إمتدت يد الغدر لتطلق على الأب فرانس فاندرلخت اليسوعي، رصاصة مليئة بالحقد والضغينة، من قبل رجل ملثم، وكأن بتلثمه أراد ان يضيع هويته، ولتنطلق معه ألاتهامات عن الجهة المحرضة على القتل، فانصار النظام البائد يتهمون قوى المعارضة باغتياله، القوى المؤيدة للمعارضة يتهمون النظام بأنه كان وراء الاغتيال، ولن أدخل في متاهات الاتهامات، ولكن ما أعرفه بأن اليد المجرمة التي إغتالت الأب فرانس هي يد ارادت ان تغدر بالرسالة الانسانية والإغاثية للاب فرانس ومعه الأباء اليسوعي في سورية، مع إني استبعد ان يكون أحد ما مِن مَن عرف الاب فرانس طيلة الثلاث سنوات الدموية الاخيرة من عمر سورية، وخاصة في مرحلة الجوع، حيث تقاسم الاب فرانس معهم شضف العيش والجوع والحرمان، فلو أراد هؤلاء قتله لفعلوها طيلة السنوات الثلاث من عمر الثورة، وهو الذي كان آمناً فيما بينهم.
أول ردة فعل على عملية الاغتيال والاستشهاد كان طريقة نعي الاباء اليسوعيين للاب فرانس حيث نعتت معه رسالته الاغاثية والانسانية، ولو بشكل مؤقت حيث ينعونه قائلين:
“ينعى الآباء اليسوعيون في حمص الأب فرانس فاندرلخت اليسوعي الذي انتقل إلى الخدر السماوي بعد تعرضه لعملية اطلاق نار في الرأس على يد ملثم مجهول الهوية دخل إلى مقر إقامته في دير الأباء اليسوعيين في منطقة بستان الديوان بمدينة حمص، الآباء وقد آلمهم الحدث الجلل في فترة الصوم المبارك يتضرعون إلى الله أن يتقبل روح الأب فرانس الطاهرة وأن تكون دماؤه الكريمة قيامة للجميع من الموت الذي تعيشه بلادنا الحبيبة سوريا كما علقت الهيئة اليسوعية لخدمة اللاجئين أعمالها الإغاثية وكافة نشاطاتها في مدينة حمص في الوقت الحالي على أن تستأنف جميع النشاطات في وقت يحدد لاحقا“
تشهد المسألة المسيحية في سورية، حالة من التصعيد، وخاصة من قبل النظام الديكتاتوري، فهو منذ الايام الاولى للثورة جند المرتزقة من رجال الدين المسيحي لمساندة النظام، ولقد تجاوب معهم بعض صغار النفوس، حيث نرى بأن مسيحيي الحزب القومي السوري رفعوا السلاح في وجه الشعب السوري ليقاتلوه. ولقد استغل النظام مؤتمر جنيف2 ليضم المطران كبوجي الى وفده، وعندما فشل في استجلاب الغرب للتعاطف مع المسيحيين المشرقيين، كان استغلاله لقضية المطرانين المغيبين عن ابرشياتهما في حلب، والمخطوفين من جهات لا أحد يعرف هويتها، ومن ثم كانت قضية راهبات معلولا واطلاق سراحهن، وعندما فشلوا في اسكاتهن عن قول كلمة الحق، اطلقوا لوقا الخوري لكي يهرطقهن بطريقة لا اخلاقية، لانهن رفضن ان يجاروه والنظام بالكذب حول حقيقة وضعهن في فترة الاختطاف، ووصولا الى الكذب والتزوير وتضخيم وضع مدينة كسب، واليوم يتم اغتيال الاب فرانس لتحريض هولندا والغرب على الثورة السورية.
من سخرية القدر ان يكون يوم السابع من نيسان ذكرى ميلاد حزب البعث العربي، الذي عوضاً ان يطبق شعاره ” أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة” فاذا به يدمر الامة العربية ويسخف رسالتها التي لم تعد خالدة بل مدمرة، وصدف اغتيال الاب الشهيد فرانس فاندرلخت اليسوعي، وكان هذا الدم المراق اليوم المعمد بالشهادة، جاء ليمحي عار ميلاد البعث وتاريخه.