تحضر كثير المقاربات والمقارنات بين ما جرى للعراق.. وما يحكى عن الذي يعدّ لسورية بلدنا الحبيب .. وهناك”مختصون” ومحترفون ومهووسون بالنسخ وتصوير الخرائط والوقائع.. وحين يجيء” مؤتمر اصدقاء سورية” يُكثر هؤلاء في التحليل، والعزف على أوتار الوطنية، ورفض الانصياع للأجنبي، وعن مخططات الغرب، وبلدان الخليج وموقعها ودورها(التاريخي).. ويُدخل كثيرهم الصهيونية وإسرائيل على خط الأزمة السورية وكأنّ هناك حلفاً لا يرمي إلا لتقطيع أوصال بلادنا واحتلاله، وإغراقه بالدمار والحرب الأهلية.. والتقسيم.. ويشير البعض إلى فكرة التقسيم فيحلو لهم التفصيل في “التنبؤات” التي لا يكتفون بها، بل بما يشبه الجزم بأن سورية ستتعرض للتفسيخ على أكثر من سبيل، وأن دولة علوية ستنهض، وربما كردية، ولمَ لا درزية، وحبل الكلام على جرار التخويف، ورسم صورة قاتمة.. والنتيجة : الالتفاف حول نظام القتل والفئوية، لأنه رمز الوحدة الوطنية ……..
ـ العراق وما صار له حاضر بأذهاننا بقوة، وصورة تجميع وتصنيع المعارضة، ثم حملها على ظهور الدبابات، وفوق فوهات المدفعية الغازية، فما صار للعراق من تدمير للدولة، وترسيم للتطويف، وما يشبه التقسيم الذي يجد مرتسماته في المحاصصات المذهبية والعرقية.. وكل ذلك من خلال مخطط قديم وجد تنفيذه على يد” المحافظون الجدد “والمعتوه بوش ، وببصمة صهيونية ـ إسرائيلية واضحة .. كتجسيد مسبق لمشروع استراتيجي فضح نفسه على الأرض، وفي عملية الغزو المباشر المجوّفة الذرائع، والغطاء .
ـ الحالة السورية مختلفة كثيراً على مختلف الصعد ..
ـ فنظام الطغمة مارس المقايضة عمره بكل القضايا الوطنية والقومية وفقاً لصفقات واضحة، مباشرة مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة.. التي منحته طوال عهده المشين كل الدعم، بما في ذلك دول الخليج، بدءاً من مجيء الطاغية الأسد بانقلاب سافر في ظروف سياسية كانت التسوية والصلح مع إسرائيل، وضرب العمل الفدائي عنوانها الكبير .وصولاً للوريث وتوريثه بشرعنة من معظمهم .
ـ نظام الطاغية الفئوي، النرجسي، الإمبراطوري.. لم يكن لديه محرمات وطنية أو قومية، كان يلعب بكل الأوراق ويستخدمها لصالح مشروعه ذاك الملتقي، من حيث يريد، أو بالنتيجة مع مشاريع الخارج التي غضّت الطرف عنه سنوات ممارساته النهبية، التطويفية، الإخضاعية في لبنان، أو في ارتكاب المجازر داخل سورية، بل أعطي كل الأضواء الخضراء والصفراء ليفعل ما يريد، وما يريدون بالقضية الفلسطينية، ولبنان، والعراق وسواهم.
ـ نظام الطغمة فتك بالهوية السورية بكل المجالات، بقرها، وجوّفها، وقتل ومسخ وشوّه الشعارات وهو يرفعها ويخونها ويدعسها، ويكيفها وفق مصلحته الخاصة.. حتى تكفر الناس بها، وحتى يعمّ الفراغ الذي أراد استثماره بإخضاع إرادة المواطن والوطن، ويعم التخلف ببناه وقواه، والفساد، والارتزاق والتشبيح، والنفاق. وكان الغرب يقدّم له كل التسهيلات والمقويات ويبارك حتى عملية التوريث القزم، والتوريث الجريمة بحق الجمهورية وبلادنا العظيمة .
ـ وعلى صعيد العلاقة مع العدو الصهيوني، المحتل لأرضنا.. كان الأكثر التزاماً بالاتفاقات الممهورة معه في معاهدات الفصل منذ العام 1974، وحراسة الحدود لمنع إطلاق أي رصاصة منذ ذلك التاريخ، بينما صال وجال والتقى علنياً وسرياً بالصهاينة بحثاً عن حل ما لم يكن هاجسه في عودة الجولان محررة، لأن إبقاءها ورقة لعب ومساومة تكون أفضل .
ـ وكما ذكرنا مراراً، وكما أشارت عديد الوقائع المؤكدة على مدار الأعوام، وطوال يوميات الثورة السورية الدامية.. فإن إسرائل كانت وما زالت الداعم الأكبر له، والمانع الأقوى لرحيله . هنا ونحن لا نريد الذهاب في قصة العمالة والارتباط لتفسير ذلك الدعم، والبقاء على موقف رفض سقوطه ـ حتى الآن ـ لأن مثل ذلك لا يقدّم كثيراً في عالم التحليل السياسي على اعتبار أن الأمور بنتائجها، وطالما أن نظام الطغمة الأكثر التزاماً بإبقاء الجبهة هادئة معه، والأضعف أن يفكر يوماً باستخدام الحرب وسيلة لتحرير الجولان، ولأنه جزء من منظومة المشروع الإيراني الذي فشل في تصدير نفسه كمشروع إسلامي عام، وقد ظهرت ثقوبه الفئوية والقومية الفارسية.. فإن نظاماً ضعيفاً، مهلهلاً، وأضعف بتلك المواصفات يمثل هدفاً دائما للصهيونية، في حين أن التخوّف مشروع لديها من الوطنية السورية العريقة، ومن نظام ديمقراطي يختاره الشعب.. متحرر من أية مقايضات، أو تبعات غير مصالح الشعب والوطن .
ـ وفي العودة للأوضاع السورية وتطوراتها.. هنا ثورة شعبية بكل المقاييس . ثورة للحرية والكرامة، ولأجل بناء دولة جديدة هي الاستقلال الثاني فعلاً لبلادنا، تنسف الاستبداد والفئوية، والاحتكار والاستئصال، وتغييب الشعب وإخضاعه، وهي حالة مختلفة عن الوضع العراقي . وهنا تصميم شعب عبّر عن إرادته وحلمه بالصدر العاري والصوت والشعارات في تظاهرات سلمية لم تلق سوى القتل ردّاً وحيداً، والكل الأمني نهجاً، والفئوية سبيلاً لإغراق بلدنا بلجة حرب أهلية رفضها ويرفضها شعبنا .
أشهر الثورة المديدة أثبتت يتم الشعب.. حين بقي وحيداً يواجه الفتك، والموت المباشر والبطيء تحت التعذيب، ولا من معين، ولا حركة عربية أو دولية.. سوى الرهان على” إصلاحات” القاتل، ومنحه الفرصة بعد المهلة، والتفرّج على صور الدم السوري الغزير .
ـ الثورة السورية الأصيلة، نبت الحضارة، وخلاصة التراكم والتوق للحرية كبقية البشر.. كانت تعي موقع العامل الذاتي، وأي مهر يجب تقديمه، وأي نظام دموي، فئوي، مجرم تواجه، ورغم ذلك ظلت متمسكة بنهجها السلمي، ورفض التدخل العسكري الخارجي، مدركة مضاره وآثاره، وما يمكن أن يحمله من تبعات ودمار لا أحد يقدر على حصرها، واستيعابها .
ـ نعم يدرك الشعب السوري وثواره الشجعان أن الغرب لا يقدّم شيئاً لسواد أو خضار عيوننا، ولا رأفة بالشباب الذي تسفح حياته، ولا بحجم الوحشية التي يرتكبها نظام عصابة فاق التوقعات والتصورات في لؤمه وحقده ودمويته ولا مسؤوليته.. وأن لتلك الدول مصالح وخططاً ورؤى ومشاريع استراتيجية تعمل على تحقيقها بما تراه يناسبها من وسائل .
ـ أكثر من ذلك شعبنا وثواره يعيان أن كثيراً من هؤلاء، وعلى رأسهم الصهيونية العالمية فرحة بتدمير البنى التحية لبلدنا، بحرب الإبادة والفناء والتهديم التي تطال اليوم البشر والشجر والحجر، ومحاولات إحداث فجوة طائفية تلهب مشاعر الانتقام والثأر والتجييش الطائفي.. بل وتحويل بلدنا لساحة اقتتال، ومنصات تجريب أسلحة ومشاريع عديدة تختلط فيها الأوراق والقوى، وتدخل على خطها كل الموبقات والقوى الإقليمية والخارجية : من إيران وحزب الله إلى القاعدة والجهاديين والتكفيريين وغيرهم..وأن ذلك يقع بالتأكيد في صلب الرؤى التي يؤمن ويعمل بها ولها كثير هؤلاء.. لذلك ينبثق الوعي الوطني في تحديد التخوم الواضحة بين طلب الحماية الدولية لآرواح المدنيين من قبل الهيئة الأممية، وفرض حظر جوي، وممرات آمنة، وحتى منطقة عازلة.. تضعف إمكانية النظام على استخدام الطيران لقصف المدن والأرياف الثائرة، وضمان وصول الغوث الإنساني للمنكوبين، والأدوية والضمادات والعلاج للجرحى والمصابين، وتوفير مناخ يمسك فيه الجيش السوري الحر بمقدرات الدفاع عن الثورة والشعب، والقيام بالدور ،
المأمول به في التصدي لحرب الطغمة المفتوحة على الشعب والوطن ..مع طلب الدعم الإنساني والإغاثي والمالي للشعب المهجّر والمذبوح والجائع..وبين القبول بالتدخل العسكري المباشر، والفرق كبير
تلك هي مطالب الشعب السوري الواضحة، والرافضة لأي تدخل عسكري خارجي في بلده، وهي مطالب يأمل أن تتجسّد في “مؤتمر أصدقاء سورية” فعلاً، في خطوات وقرارات وليس مجرد توصيات وخطابات وذرف دموع التعاطف والتوصيف ..
ـ وإذا كان النظام القاتل يستدرج بكل ما يفعل عن سابق وعي وتصميم الخارج للتدخل العسكري المباشر، او فتائل الصراع الطائفي الذي يلهبه بممارسات فجة وخطيرة متعددة الأشكال.. فإن الثورة السورية ستقدر على إفشال مخططه بمزيد من الوحدة الوطنية، وبمزيد من الإصرار على قواها الذاتية، ورفض أي وجود عسكري مباشر فوق تراب بلادنا.