يكثر الكلام بالجملة والمفرق عن المعارضة وواجب توحيدها، خاصة وأن الحديث عن فرقتها وتشتتها بات ذريعة الوضعين العربي والدولي لمنع اتخاذ قرارات حقيقية لصالح الشعب الثوري الذي يواجه حرب إبادة حقيقة، وللثورة التي تقاوم بكل وسائلها البسيطة المتاحة كي تحقق معجزة الانتصار وانتزاع الحرية والكرامة لبلدنا العزيز .
ـ حين ننتقل من الكلام الفضفاض إلى التحديد يتوجب وضع ضوابط دقيقة لمعرفة المقصود بالمعارضة ، وهل تشمل على سبيل المثال كلها : تلك القديمة (التقليدية) التي قارعت النظام عقوداً طويلة، بكل تلاوينها وتباينات مواقفها، ونتائج فعل الاستبداد فيها، والجديدة التي نبتت بقوة غرائبية في الخارج، ومعها عديد القوى التي ظهرت في الداخل بمروحتها المختلفة وخلفياتها وخطابها، وكذا الحراك الثوري وتعدده، واختلاف النظرة لواقعه وفعاليته على الأرض ؟؟….
ـ عنوان وحدة عمل المعارضة يفترض شمول كل مكون معارض مهما كان عمره، وحجمه، وخطابه، لكن عند الانتقال من النظري سنجد عقبات حقيقية متشابكة تثقب ذلك الشعار بعديد الوقائع العنيدة، التي يمكن تناول أهمها بإيجاز :
1 ـ المعارضة التقليدية القديمة منقسمة باتجاهين رئيسيين : القوى المشاركة في المجلس الوطني(إعلان دمشق وحزب الشعب الديمقراطي)، والإخوان المسلمون، وتواجدات أخرى عديدة قديمة ـ جديدة كالكتلة الوطنية الديمقراطية السورية المشاركة رمزياً بالمجلس، والتي تنتقد تشكيله وأدائه، وبعض التيارات القومية واليسارية والعلمانية. وتلك المنضوية في “هيئة التنسيق الوطني” التي عرفت عديد الانزياحات والإشكالات داخلها، ومرواحتها في سقف يبدو أدنى مما تطرحه الثورة السورية، وأحياناً معارضاً ومناكفاً له عبر تصريحات بعض رموزها .
2 ـ تنظيمات وتكتلات ولدتها الثورة، وما زالت الشهية مفتوحة على المزيد. ويلاحظ هنا أن تلك التشكيلات نهض في الداخل، وكثيرها في الخارج . أطر الداخل تتوازع بين قوى معارضة جدية تطرح أفقاً للتغيير الجذري، وأخرى ولدت من أحشاء النظام وعلى هوامشه، ومعظمها ما يزال يدور في سقف الإصلاحات المرهونة بما يقدم عليه نظام الطغمة .
الفئة الأولى كالكتلة الوطنية السورية، وحركة معاً، ونبض، ومواطنة والتي تحالفت في (ائتلاف وطن) تضع مسافة بينها وبين كل من هيئة التنسيق والمجلس الوطني، وتراهن على تطور فعلها في الميدان، والتيار العربي الديمقراطي قيد التشكيل، وأغلبيتها تبدي ملاحظات شديدة على أطروحات الحماية الدولية للمدنيين، والمناطق العازلة والممرات الآمنة، والجيش السوري الحر، والتسليح ووسائل مواجهة نظام الطغمة، وآليات إسقاطه .
3 ـ بينما عرفت الأشهر الأخيرة ولادة عديد الأطر والتشكيلات الجديدة التي صار يصعب التمييز بين أسمائها وأطروحاتها المتشابهة حد التماثل .وبقدر ما تبدو هذه الأطر تعبيراً عن فيض الخصب السوري، والتوق للعمل السياسي الذي حرمت منه أجيال متعاقبة، بقدر ما تحمل في صلبها بذور الفرقة والتذرية، وتصعيب عمليات التوحيد، والتجميع .
ـ عمليات وحدة عمل المعارضة بالانتقال إلى التجسيد تبدو شبه مستحيلة الآن، وإن كان المطلوب قيام أشكال من التنسيق بين مجاميع القوى والأطر تتمركز حول الأهداف المشتركة التي تلخصها المرحلة بشعار إسقاط النظام بكل رموزه ومرتكزاته، كحاجة ضرورية للعبور إلى إقامة الدولة المدنية الديمقراطية . التنسيق ضروري، ولو بحدود وحدة الصف في خندق الثورة، ومنع الاحتراب والاتهام وإيقاف حملات التشويه، والتوجه لتقديم ممكن كل طرف في انتصار الثورة .
ـ وبناء على ضرورة إنجاز وثيقة عهد وطني يمكن لقوى المعارضة جميعها أن تلتقي تحت سقف مؤتمر سوري جامع يهدف إلى تحشيد الجهود وتنظيمها لإنجاز برنامج مرحلة التغيير بأقل الكلفة والتضحيات، وصيانة الوحدة الوطنية من شبح الحرب الأهلية التي يدفع إليها النظام القاتل بكل الوسائل لإفراغ الثورة من جوهر أهدافها ومبرراتها، وتحطيم الدولة السورية، والدخول في نفق الاحتراب الداخلي . كما يمكن أن تنبثق عن هذا المؤتمر هيئة تنسق عليا تشرف على تنفيذ برنامج الاتفاق، .
ـ بقي أن نقول أن مطالبة بعض الجهات العربية والدولية بوحدة المعارضة شرطاً مقدماً لمواقفها.. هي ذريعة مكشوفة للتهرب من استحقاقات الحالة السورية حتى بجانبها الإنساني الذي يضع حداً لحرب الإبادة والاغتصاب التي يقوم بها نظام الطغمة الفئوي. وهم يعلمون أن وحدة المعارضة لم تك يوماً الشرط اللازم لاتخاذ قرارات عربية ودولية تستجيب لمطالب الشعب السوري .
ـ مع ذلك، ومن أهمية توحيد جهود المعارضة في أطر مناسبة، فإن الحاجات الملحة، والتحديات الخطيرة التي تواجهها الثورة.. توفر أرضية أنسب لإنجاح مؤتمر سوري جامع .