سينظم في التاسع من ايلول 2014، مؤتمراً باشراف المجموعة المشكلة حديثاً “من أجل حماية المسيحيين” الذي سيتطرق لمسألة “اضطهاد داعش للمسيحيين في الشرق الاوسط.” هذا الاجتماع ممول بشكل جيد، حيث تحشد مجموعة متطورة من الكنائس المشرقية في الولايات المتحدة الامريكية من أجل المشاركة بأكبر عدد ممكن. يضم مجلس إدارة (IDC) مواطنين بارزين ومسؤولين حكوميين سابقين، وخبراء دوليين في مجال الحريات الدينية. ولزيادة الجذب للجمهور سوف تضم فعاليات المؤتمر يوما في الكونغرس ويوما في أحد فنادق العاصمة واشنطن.
لقد تم تهجير عرقي للمسيحيين من الموصل خلال شهر حزيران الماضي، ثم من سهل نينوى، آخر موقع جغرافي يسكنه المسيحيون الآشوريون والسريان والكلدان، في شهر تموز. حيث لجأ أكثر من 400 ألف مسيحي الى أقليم كردستان دون أي أمل بعودتهم الى الامكان التي هجروا منها. لقد قتل واغتصب وأختطف العديد من المسيحيين من قبل الجهاديين الداعشيين، وكذلك من الاقلية اليزدية ومجموعات عراقية أخرى. المسيحيون في العراق وسورية وقبلهم في مصر، كانوا عرضة للاضطهاد والعنف في السنوات الماضية. بالمختصر فأن القضية عادلة وأغلب العاملين على انجاح المؤتمر لهم نوايا حسنة، ولكن يجب ان يعرف الشعب الامريكي بأن تركيز IDC على عنف داعش، أدى بقصد أو بدون قصد، الى استغلال كلا النظامين الايراني والسوري وكذلك حزب الله (حالش) لاهداف هذا المؤتمر.
قد يستغرب القارئ هذه الاتهامات ولكن اليكم الوقائع وبعض الأدلة التي تشير الى ذلك:
غياب المسيحيين الايرانيين
مما لا شك فيه أن المؤتمر سوف يدين جهاديي داعش، ولكنه سيغفل اضطهاد النظام الايراني للمسيحيين الايرانيين، وخاصة الايرانيين المسيحيين الفرس. العديد من الامريكيين مطلعين على قضية القس سعيد العبادي (العبيديني) المعتقل في السجون الايرانية وكل جريمته هو تحوله الى المسيحية. هناك ايضاً العديد من القسس والناشطين وقد اغتيلوا وعذبوا وسجنوا لسنوات عديدة، كان على مؤتمر واشنطن “من أجل حماية المسيحيين” ان يدعي بعض الايرانيين المسيحيين وضحايا آخرين ليشهدوا على عنف نظام آيات الله ضد مجتمعهم. ومن المؤكد أن هناك العديد من المسيحيين المتعاونين مع النظام الخميني، مثلما كان هناك تعاون من قبل العديد من الفرنسيين مع النازيين في الحرب العالمية الثانية أو “الكنائس الرسمية” اثناء حكم الكتلة السوفياتية. والمسيحيون الايرانيون الاحرار غير متواجدين في اجتماعات IDC
إغفال حرب الأسد على المسيحيين
أغفل المؤتمر الوحشية الواسعة النطاق التي مارسها النظام الاسدي ضد المسيحيين اللبنانيين خلال حرب 1975- 1990، ولم يأت على ذكر تعذيب وسجن واغتيال المئات من المواطنين اللبنانيين المسيحيين، والسياسيين والصحفيين خلال فترة الاحتلال السوري الممتدة من 1990 وحتى 2005. لقد تم اغتيال رئيسي جمهورية مسيحيين كما العديد من الوزراء والنواب والطلاب المسيحيين على يد النظام الاسدي لكن المؤتمر تناسى هذه المأساة ولا يعتقد بان أحدا من الخطباء سوف يطرحها. إضافة الى ذلك لم يدعى المسيحيين المناهضين لبشار الاسد، ولكن من يدّعون بأنه ساهم في حمايتهم موجودون بكثرة.
حذف إرهاب حزب الله
لن يدان حزب الله، المنظمة العنفية الموالية لايران والموضوعة على قائمة الارهاب في الولايات المتحدة الامريكية، وهو الذي خطف واغتال وهدد ولا يزال وجود المسيحيين اللبنانيين (كما ابناء مذاهب الاخرى)، ولم يلحظ وجود ضحايا عنفه وارهابه ضمن قائمة المتكلمين في المؤتمر
وضع المسيحيين العراقيين تحت الإشراف الإيراني
تقدم المسيحيون العراقيون، بالتعاون مع منظمات مسيحية شرق أوسطية غير حكومية، بطلب من الامم المتحدة لتحويل منطقتهم في الشمال إلى منطقة حماية دولية وتشكيل قوتهم الدفاعية الذاتية تحت إشراف الامم المتحدة. لكن القوى التي تدعم مؤتمر IDC تريد ان يشكل هؤلاء المسيحيون وحدة ضمن الجيش العراقي المسيطر عليه من قبل النظام الايراني ما سيؤدي إلى كارثة عليهم.
مسائل أخرى
بالاضافة الى هذه الخطايا الاربعة المميتة، فأن مؤتمر IDC يعاني من مشاكل كبيرة، أولها المجموعات الغير المشاركة أو التي لم تدع.
من أهم هذه الفئات غير المدعوة أقباط مصر. هذه المجموعة المسيحية، والتي تشكل اربعة أضعاف حجم باقي مسيحيي الشرق الاوسط مجتمعين، كانت ايضا عرضة للاضطهاد المتصاعد عبر السنوات القليلة الماضية من قبل الجهاديين وجماعة الاخوان المسلمين. ان منظمة “التضامن القبطي”، وهي أوسع المنظمات للمسيحيين المصريين لن تعطى الفرصة للتحدث امام المؤتمر. وعوضاً عن دعوة اهم القوى الدولية للاقباط، فأن IDC قد دعـت سيدة تهتم بقضايا المياتم للتحدث امام المؤتمر. ان منظمي المؤتمر ارادوا تأمين ذكر اسم الاقباط ولكن ليس الشعب القبطي.
اغفل إداريو IDC نضال ثلاثة عقود للجنة مسيحيي الشرق الاوسط MECHRIC وهي تحالف ماروني، أشوري، سرياني، كلداني، قبطي، جنوب سوداني، وغيرهم من المنظمات المسيحية الغير حكومية وهم شكلوا العمود الفقري لقوة الضغط على المستوى الدولي في البرلمان الاوروبي والكونغرس الامريكي وحديثاً الامم المتحدة. لماذا؟ لأن لجنة مسيحيي الشرق الاوسط MECHRIC تدين أضافة للسلفية الجهادية، النظامين الايراني والاسدي وحزب الله (حالش).
لقد تأسس الاتحاد الماروني العالمي عام 1979 في بلاد الاغتراب ولم يزل يمارس نشاطه في كل انحاء العالم لتحرير لبنان من نير الاحتلال السوري وتجريد سلاح حزب الله، وهو أيضا ليس على قائمة المدعوين. الخلاصة هي أنه لن يسمح لاي قوى مسيحيية معادية لايران والاسد وحزب الله بالتحدث في المؤتمر.
يرتدي حضور خمسة بطاركة مشرقيين أهمية مؤثرة، وهذا الحضور العاطفي لهؤلاء القادة الروحيين سيدفع دون شك العديد من أعضاء الجالية للحضور. ولكن الحقائق الجيوبوليتيكية لا يجب ان تغيب عن بالنا. فمقرات هؤلاء البطاركة في بغداد ودمشق وبيروت وهي عواصم واقعة تحت الاحتلال الايراني. بالطبع سيدين القادة الروحيون هؤلاء، وعن حق، ممارسات داعش البربرية، ولكن هل سينتقدوا نظامي طهران ودمشق ؟
وبالرغم من ان بعض المتحدثين مثل نينا شيا Nina Shea وتوماس فار Thomas Farr، قد تكلموا عن اضطهاد المسيحيين، فان المتحدث الرئيسي جيمس زغبي، رئيس “المؤسسة العربية الامريكية” والمعتبر من قبل العديد من الاقليات الشرق اوسيطية العدو اللدود لها في واشنطن منذ سنوات. وهو ينتقد الموارنة والمسيحيين اللبنانيين، ومنذ عقود رفض حق تمييز الاقليات المسيحية عن محيطهم القومي العربي. وهو حتى في هذا المؤتمر يرفض الهوية العرقية للآراميين والاقباط، ويصر على تسمية كل الاقليات “بالمسيحيين العرب”، ونحن نقر بأن بعضهم بالحقيقة من أصول عربية. لقد تحالف الزعبي دوما مع المجلس الاسلامي للعلاقات الامريكية الاسلامية ( كير) كلوبي عربي مناهض لاسرائيل، وهو يستمر بالدافع عن نظام الاسد التوتاليتاري. فكيف يضع مؤتمر للمسيحين المشرقيين ثقته والقيادة الايديولوجية للمؤتمر في يد زعيم اللوبي المعادي للاقليات في الولايات المتحدة الامريكية؟
استنادا للمؤتمر الذي عقد في بيروت السنة الماضية تحت مسمى مشابه يخشى بأن تدعو IDC لعقد مؤتمراً مشابهاً في القدس في العام القادم وذلك من أجل إعادة جر المسيحيين إلى الحلقة المفرغة في مسرحية الصراع مع إسرائيل وتقوية حماس ومعسكر الارهاب الإيراني- السوري.
لكن ما هي الدوافع وراء حدث كهذا؟ يبدو ان نوايا إدارة هذه المجموعة حسنة ولكنها ربما لا تدرك المشاكل بشكل شمولي. وبموجب التحاليل والوقائع المذكورة آنفاً، فأن النظامين الايراني والسوري سيستغلون انشغال العالم بفظائع داعش، للتسلل إلى المجتمعات المسيحية، والسيطرة السياسية عليها ، ومن ثم استعمالها في خدمة قادة بغداد الموالين لايران، ونظام الاسد في دمشق، وحزب الله المسيطر على لبنان.
تريد ايران وسورية ان تكتسب شرعية الشريك في الحرب ضد داعش بأدعائها حماية المسيحيين، أول ضحايا الجهادين. ان مؤتمر IDC وعن دون قصد سيلعب دور حصان طروادة أو جسراً لطهران ودمشق يسمح لهما الدخول إلى المجتمع المسيحي الامريكي من أجل الحصول على دعمه للشراكة مع الاسد وتطبيع العلاقات مع نظام الملالي.
مع كل هذه المشاكل العميقة، لا يمكن تسمية هذا الحدث مؤتمراً للمسيحيين المشرقيين. إنما هو بالحقيقة مؤتمر “ذمي” في خدمة ايران والاسد وحزب الله.
جون حجار عضو اللجنة التنفيذية لرابطة المسيحين المشرقيين MECHRIC تحالف ماروني، أشوري، سرياني، كلداني، قبطي، جنوب سوداني وغيرهم من منظمات مسيحية غير حكومية
******
John Hajjar is a member of the Executive Committee of the Middle East Christian Committee MECHRIC a coalition of Assyrian, Syriac, Chaldean, Maronite, Coptic, Melkite and other Middle East Christian NGOs www.Mechric.org