المسيحييون في سوريا.. والخوف من التغيير 1 – 3 بقلم المحامي ميشيل شماس

المسيحييون في سوريا.. والخوف من التغيير 1-3

ميشال شماس:  كلنا شركاء

  لسورية أهمية خاصة في تاريخ المسيحية، فمنها انطلق المبشرون والرسل لنشر الديانة المسيحية في أوروبا والعالم، وفي مقدمهم بولس الرسول. وفيها أهم المقدسات المسيحية من كنائس وأديرة واضرحة كثيرة مثل كنيسة حنانيا ودير مار جرجس الحميراء ودير مار تقلا في معلولا ودير صيدنايا..الخ. ومازالت فيها بلدات تتكلم لغة السيد المسيح حتى اليوم مثل معلولا، وجبعدين وصيدنايا وبصرى..الخ.

  وسوريا التي انطلقت منها المسيحية إلى العالم،  وقدمت للعالم سبعة باباوات وبعض الأباطرة الرومانيين الكبار لم يبق فيها من المسيحيين العرب إلا عشرة بالمائة من عدد السكان، بعد أن كانوا يشكلون حتى العام 1967 بحدود 30% من سكان سورية، وهناك  من يقول أن عددهم كان في عام 2005 بحدود 2160000 نسمة  أي 12% من سكان سورية 1* وفي إحصائية نشرها سمير عبده العام 2000 تبين  أن تعداد المسيحيين  في سورية  بلغ حوالي 10%   موزعين حسب الطوائف المسيحية وفق الجدول التالي2*:

الطائفة                        العدد عام 1956                     العدد عام 2000                    

روم ارثوذكس                181750 نسمة                     545250 نسمة    

أرمن أرثوذكس               114041 نسمة                     342123 نسمة

روم كاثوليك                  60124 نسمة                       180372 نسمة

سريان أرثوذكس            55343  نسمة                      166029 نسمة

سريان كاثوليك              20716 نسمة                       62148 نسمة

أرمن كاثوليك                20637 نسمة                       61911 نسمة

موارنة                          19291 نسمة                       57873 نسمة

أشوريون                      11760 نسمة                       35280 نسمة

لاتين                            7079 نسمة                         21237 نسمة

كلدان كاثوليك                5723 نسمة                         17169 نسمة

المجموع                       508999 نسمة                     1526997 نسمة

    ويتوزع المسيحيون في كافة المحافظات والمدن والمناطق السورية ، ويتواجدون بشكل أساسي في محافظات  حمص وطرطوس وفي جبال القلمون وفي ريف دمشق وحلب ودمشق والحسكة والقامشلي وحماه واللاذقية. 3*

وسواء كانت الأرقام التي أوردتها تلك الدراسات والأبحاث والمقالات قريبة من الواقع أو مبالغ فيها كثيراً، إنما يؤكد حقيقة واحدة وهي أن أعداد المسيحيين في تناقص مستمر سواء في سورية أو في غيرها من البلدان العربية.

  وقد تبوأ المسيحيون مناصب مهمة في سورية على نفس المستوى قبل الاستقلال عن فرنسا وبعده حتى قيام الوحدة السورية المصرية وذلك على كافة الصعد السياسية والاقتصادية، وشاركوا بفعالية في تنشيط الحركة السياسية في سوريا من خلال الإسهام في تأسيس أحزاب سياسية كالحزب الشيوعي والبعث والقومي وحزب الكتلة الوطنية الذي لعب دوراً بارزاً في مناهضة الاستعمار الفرنسي، كان من أبرز أعضائه الرئيس شكري القوتلي وسعد الله الجابري والرئيس هاشم الأتاسي والرئيس فارس الخوري الذي كان عميداً للكتلة، كما انتخب رئيساً للبرلمان السوري لمرتين، كما تولى منصب رئيس الحكومة في سوريا عدة مرات  منذ العام 1944 وحتى العام1954، ومثّل سورية في الأمم المتحدة.. ومن منّا لم يقرأ ما حدث لفارس الخوري بعد عودته إلى دمشق من الأمم المتحدة، عندما أبرق لابنه  وهو في الطائرة أن يأتيه"بالطربوش"ليغطي رأسه على عادة الناس في تلك الحقبة… إلا أن ابنه نسي ذلك، وحين نزل من الطائرة كان في استقباله عدد من المسؤولين السوريين وفي مقدمهم الرئيس شكري القوتلي وخالد العظم و الشيخ بهجت البيطار4* وهو إمام السلفية في ذلك الزمن، وقد لاحظ الشيخ بهجت ارتباك فارس الخوري لعدم وجود ما يستر رأسه، فخلع عمامته 5* ووضعها على رأس فارس الخوري قائلاً له:  أنها تليق بك وصفق الجميع…… وخرجوا في موكب جاب حارات دمشق التي كان أهلها محتشدين لاستقبال فارس الخوري تقديراً له على حسن تمثيله سوريا في الأمم المتحدة.. ولم يلاحظوا أو يتفاجئوا بوجود العمامة على رأس فارس الخوري لان الشعب السوري حينذاك كان بعيداً كل البعد عن أي تفكير أو منطق طائفي، وهذا الجو الديمقراطي سمح أيضاً للنائب الأول لرئيس البرلمان سعيد إسحاق المسيحي أن يتولى رئاسة الجمهوية بالوكالة لمدة 24 ساعة اثر الانقلاب الذي قام به أديب الشيشكلي بتاريخ 2/12/1951 وكانت تلك أخر مرة يستلم فيها مسيحي رئاسة الحكومة في سورية ورئاسة الجمهورية. وشكلت تلك التجربة الديمقراطية القصيرة في تاريخ سورياً هذا حدثاُ فريداً في العالم العربي. 6*

 إلا أن تلك التجربة الديمقراطية الفتية التي بدأت تخطو أولى خطواتها في سورية منذ منتصف الخمسينات من القرن الماضي، سرعان ما تم الانقضاض عليها بقيام الوحدة بين سورية ومصر بتاريخ  22 شباط 1958 واستلام جمال عبد الناصر زمام الحكم في الجمهورية العربية المتحدة، حيث قام بتعطيل الحياة السياسية في سورية ، وأقام بديلاً عنها نظاماً استبدادياً أمنياً مازلنا نعاني من أثاره حتى اليوم، وبعد انهيار الوحدة، استلم حزب البعث العربي الاشتراكي مقاليد السلطة في آذار عام 1963، الذي تابع نفس النهج الاستبدادي الأمني وسياسية التأميم الخاطئة التي ساهمت في هروب قسم كبير من البرجوازية السورية كان من بينها الكثير من المسحيين إلى لبنان وبلدان عربية وأجنبية أخرى. وقد أرخى هذا السلوك الأمني المتعاظم  ظلالاً ثقيلةً على مجمل نواحي الحياة في سورية ،والذي انعكس فشلاً ذريعاً في قيادة عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية..الخ وعجزه عن حماية البلاد أمام الأخطار الخارجية ولاسيما الإسرائيلية منها  .

صحيح أن المسألة الطائفية لم تبرز في سورية كما برزت في مصر والعراق ولبنان، فنظام الحكم في لبنان يقوم على المحاصصة الطائفية بين ثلاثة طوائف رئيسية الموارنة والسنة والشيعة، وفي مصر برزت الطائفية بوضوح بعد الدعم الذي لقيته الحركات الإسلامية في مصر خاصة في عهد السادات والتي تركت أثراُ سيئاً على العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في مصر. 7*  

  أما في سورية وإن كان المسيحيون لم يتمتعوا بامتيازات خاصة في ظل نظام حكم حزب البعث،  إلا أنه لا يمكننا نكران أن وضعهم بالمقارنة مع وضع المسيحيين في الدول المحيطة كان إلى حدٍ ما مستقر ولم يشهد هزات عنيفة كما حصل في لبنان والعراق ومصر وفلسطين. وأكثر من ذلك فقد وجد المسيحيون في سوريا حضناً دافئاً احتضنهم حين لجئوا إليها قبيل وأثناء وبعد المذابح التي تعرضوا لها في تركيا في مطلع القرن الماضي. كما تمتعوا بعد زوال الحكم العثماني بحرية دينية بدرجة مريحة ولم يسبق لهم أن اشتكوا من مضايقات في هذا المجال لافي فترة حكم النظام الحالي ولا قبله. وهذا يعود إلى أن الشعب السوري بغالبيته المسلمة تقبل هذا الوضع عن قناعة، ولم يجد في الوجود المسيحي ما يدعوه إلى الامتعاض أو الرفض. لابل أكثر من ذلك، فقد وجد في مواطنه المسيحي عنصراً حضارياً خلاقاً أثرى البلاد وأفادها في مجالات عديدة8*.

المصادر:

1-   سوريا بالأرقام، المركز اللبناني للدراسات الإستراتيجية، 124و128

2 –  كتاب "الطوائف المسيحية في سوريا نشأتها تطورها تعدادها", سمير عبده ص33

3-لا توجد إحصائية رسمية حول توزع المسيحيين في سورية وعددهم، وجميع الإحصاءات الموجودة هي تقريبية..

4 – شكري القوتلي شخصية وطنية بارزة  استلم رئاسة سورية مرتين أخرها كان عام 1955 ولغاية 1958 حين تنازل عن الرئاسة لجمال عبد الناصر بعد قيام الوحدة السورية المصرية… أما خالد العظم من الشخصيات الوطنية البارزة  استلم رئاسة الوزراء في سورية لأربع مرات منذ العام 1939 وحتى العام 1951 أما الشيخ محمد بهجت البيطار كان إمام السلفية الإسلامية في سورية.

5- العِمَامَةُ لباس يغطي الرأس، وجمعها عمائم، وهي من لباس العرب قبل الإسلام ولما جاء الإسلام أخذ بها، واختص بلبسها زعماء الطوائف والشيوخ الكبار وهي تشبه القلنسوة  "القلّوسة" التي يرتديها رجال الدين المسيحي الشرقيون.

6-  يذكر أن رئيس الأركان العقيد أديب الشيشكلي قام بانقلاب بتاريخ 1/12/1951  على الرئيس هاشم الأتاسي  وبسبب اعتقال رئيس البرلمان ناظم القدسي قام الرئيس هاشم الاتاسي بتاريخ 2/12/1951 بتقديم استقالته للنائب الأول للبرلمان سعيد اسحق الذي تولى رئاسة الجمهورية بالوكالة بموجب أحكام الدستور السوري بعد استقالة رئيس الجمهورية واعتقال رئيس البرلمان ألا أنه في نهاية اليوم أصدر العقيد الشيشكلي أمراً عسكرياً قضى بحل البرلمان وتولى بنفسه رئاسة الجمهورية. مقال للكاتب شمس الدين العجلاني بعنوان (سعيد اسحق رئيساً لسوريا ليوم واحد) نشر على موقع الحوار المتمدن

/http://www.ahewar.org/debatshow.art.asp?aid=55203

المسيحييون في سوريا.. والخوف من التغيير 2  – 3

المسيحيون في سورية .. والخوف من التغيير  3 – 3