هوية الدولة السورية الجديدة والعلاقة بين الدين والدولة من وجهة نظر المرجعية الوضعية

هوية الدولة السورية الجديدة والعلاقة بين الدين والدولة من وجهة نظر المرجعية الوضعية

  This image has an empty alt attribute; its file name is بهنان-يامين1.jpgبهنان يامين

   

 

يرى المستشار السابق لرئيس الوزراء البلجيكي والباحث في شؤون الشرق الأوسط كورت ديبوف، أن الثورات العربية تشابهت كثيراً مع الثورة الفرنسية، لاسيما في جوهر أسبابها التي انبثقت من الوضع الاقتصادي المحبط، وزيادة أعداد البطالة وانتشار الفساد والديكتاتورية، مبيناً أنه لا يمكن القول إن الثورات العربية فشلت، وليس صحيحاً أن نطلق عليها «الربيع العربي»، فهذه الثورات ليست ربيعاً وليست تمرداً، لكن ما نراه ثورة حقيقية، وهي مجرد بداية لعملية تغيير ستأخذ وقتاً طويلاً، لافتاً في الوقت عينه إلى أن التحول الديموقراطي صعب، لكنه ممكن وليس مستحيلاً.

   بالطبع هذا الكلام فيه رد على كل المتشأمين بامكانية التغيير في سورية، وهو في محاضرته هذه يشبه الثورة السورية بالثورة الفرنسية، ويحدد بأن مسار الثورة السورية كمسار الثورة الفرنسية، قد يستغرق مدة طويلة قبل ان يتثبت التغيير، فقد تمر الثورة بمخاضات مختلفة وصولا الى الحل الديموقراطي وقيام الدولة الحديثة المستندة عليه.

   نالت سورية الحالية استقلالها من الاستعمار الفرنسي بعد نضال طويل، ووصولا الى نوع من الديموقراطية الواعدة، ولكن هذه الديموقراطية الواعدة وئدت عبر سلسلة الانقلابات العسكرية التي كانت تعلق الدستور، وعندما يعلق الدستور يعني ذلك تعليق العمل بالقانون حتى يفصل هذا الضابط او ذاك دستورا على صورته ومثاله، وعندما جاء البعث الى السلطة عبر انقلاب عسكري سماه زورا وبهتاناً بثورة، ليعلن حالة طوارئ دامت ما يقارب نصف قرن من الزمن، حيث اسس حافظ الاسد دولة قمعية ارهابية، ارهب من خلالها كل سورية من خلال الغاء العمل  السياسي في سورية ومصادرته الحريات العامة، ولم يكن لديه اي تصور لاعادة الحياة السياسية الى سورية، لا بل عمل على توريث اولاده السلطة، ليتحقق له ذلك يوم قبر، وورث ولده الثاني، بشار، مقاليد السلطة السياسية ليتقمص هذا الاخير شخصية ابيه، ولكن هذه الشخصية جاءت شخصية مسخ لصورة ابيه.

   تحرك الشعب السوري، وموهوم هو من يعتقد بأن هذا الحراك جاء من لا شيء، بل كان المواطن السوري يحتقن غضبه الى ان جاءت مجموعة الثورات في المنطقة ليقوم هو بذاته بثورة كل طموحها هو بناء الدولة السورية الحديثة.

   أفرز هذا الحراك الثوري مجموعة من التيارات السياسية سواء تلك الموجودة، والتي كانت تعمل تحت الارض، وبروز تيارات إسلامية، منها المعتدل والعقلاني، ومنها المتطرف غير العقلاني. وهذا ما فرض على القوى الديموقراطية السورية، الطامحة الى بناء الدولة السورية الحديثة مجموعة من التسأولات اهمها: هل في سبيل بناء الدولة الحديثة نفتح حوارات مع هذه التيارات التي من الممكن ان تكون شريكاً في بناء الدولة الحديثة؟

ان اي دولة حديثة يفكر بها السوريون لا بد ان تستند الى الحوار مع الآخر، من اجل الوصول الى تفاهمات ما بينها. المقصود بالآخر هو كل التيارات المتواجدة  على الساحة السياسية السوري، دون وضع الواحد على الآخر قيودا للحوار، وان يكون هذا الانفتاح لدراسة كل ما يمكن ان يوصلنا الى بناء الدولة السورية الحديثة. ولقد جاءت مصفوفة مركز حرمون للدراسات المعاصر في صالون الكواكبي لتطرح مجموعة من الاسئلة التي كل واحدة منها بحاجة الى أكثر من جواب من اكثر من طرف ومن مختلف التيارات.

من أهم هذه الأسئلة كان بقناعتي، هو موضوع الدين في الدولة الحديثة، هل يكون له دورا سياسياً ام هو كما تطرح المصفوفة  بأن “ الدين ظاهرة بارزة في جميع المجتمعات ولصيقة بالبشر عمومًا، لكن هل تحتاج “الدولة” بوصفها جهازًا إداريًا وحاكمًا حياديًا إلى التزامها دينًا محدّدًا أو عقيدة أو أيديولوجية معينة؟”

الجواب على سؤال كهذا يقتضي ان يكون بالطبع لا ، فالدين يجب ان يفصل عن الدولة وخاصة في الدول المتنوعة الديانات والمذاهب، وهنا يحضرني كلام الراحل السيد هاني فحص بان الدولة قد تكون شرعية ( نسبة الى الشرع والشريعة) ولكنها غير شرعية ان كانت مرفوضة من الشعب بكل مكوناته. والعكس صحيح قد تكون شرعية بمعنى موافقة الشعب عليها وبالوقت ذاته تكون غير شرعية بمعنى الشرع. الدولة شأن وطني عام، وأي صفة أيديولوجية أو دينية تُلحق بها تحولها إلى شأن خاص أو دولة خاصة بفئة محددة، وأي دولة خاصة (دولة البعث أو دولة الشيوعية أو دولة الإسلام أو دولة القومية العربية) هي دول قهرية واستبدادية بالضرورة.. وهذا الطرح صحيح الى حد كبير، فان ادلجة الدولة تجعل منها اداة توصلنا حتما الى دولة الارهاب

 وكون سورية قد تشبعت بالمصطلحات المؤدلجة فمن الضرورة اعادت تحديد المفاهيم المتداولة، فهناك ضرورة ماسة الى اعادت تحديد مفهوم الوطن، الدولة، الأمة، الشعب، القومية… إلخ.  وهذا يطرح بعض الأسئلة الجديدة هل نقول بوجود أمة عربية أم أمة سورية أم أمة إسلامية ؟  اصبحت مراجعة المصطلحات السياسية المتداولة منذ استقلالات الدول فما كان مقبولاً في المنتصف الثاني من القرن الماضي لم يعد مقبولاً في عصر العولمة سواء قبلنا هذه العولمة ام رفضنها، فدولة المواطنة، ومبدأ المواطنة، هو الذي يصهر كل مكونات الدولة سواء من الناحية العنصرية او الدينية. ان تثبيت هذه المفاهيم لا يلغي الواحد الآخر.

على الدولة الحديثة التي نطمح اليها، ان يكون تداول السلطة هو أهم بنود هذه الدولة، فالدولة القمعية المؤدلجة لم تعد مقبولة من الشعوب، بل مشاركة هذه الشعوب في تقرير مصيرها هو المبدأ الاساسي التي تقوم عليه الدولة الحديثة.

لابد لإستكمال بناء الدولة الحديثة ان ننشر ثقافة المواطنة، فالدولة الحديثة يجب ان تكون دولة مواطنة لان مفهوم المواطنة هو الذي يصهر كل ما هو ديني او قومي او عنصري. وبالطبع علينا تحديد المواطنة من خلال مبدأ المساوات في الحقوق والواجبات التي يحددها الدستور الحديث لدولة المواطنة.

على الدولة الحديثة التي ينوي السوريون اقامتها ان تستبعد كل ما يخلق عدم مساوات ما بين المواطنين، من هنا لا يجوز الاشارة الى دين رئيس الدولة، لان مثل هذه الطروحات تخلق مواطنين من الدرجة الثانية والثالثة الخ … من الدرجات، وما يقال عن دين رئيس الدولة يقال ايضا عن عنصرية هذا الرئيس.

على الدولة الحديثة ان تعتمد مبدأ فصل السلطات، التي اعتمد من قبل كل الدول الديموقراطية وهذه السلطات تتمثل بسلطة تشريعية وسلطة تنفيذية وسلطة قضائية، وهذه السلطات الثلاث يجب ان تكون مفصولة تماما الواحدة عن الأخرى، على ان تكون السلطة القضائية العليا هي الفاصلة في دستورية القوانين والتشريعات والاوامر الادارية التي تصدرها السلطات الأخرى وعلى هذه السلطة القضائية ان تكون معينة من دهاقنة القانون على ان يثبت تعينهم من قبل السلطة التشريعية.

في الدولة الحديثة علينا استبعاد كل ما يمكن ان يقود الى سلطة الحزب الواحد التي تقود بالمحصلة الى الديكتاتورية. من هنا يجب تحديد القوانين الناظمة التي تستبعد الوقوع في سلطة الحزب الواحد. ( هنا يتم طرح بعض الامثلة من الدول المتقدمة)     

     لو اردنا الاستمرار في تحديد الدولة الحديثة المدنية الديموقراطية لابد دائما الى حوارات مستمرة تضييق الهوة بين التيارات ولا يكفي لقاء واحد او اثنين او عشرة لوضع اسسس هذه الدولة الحديثة. وهذا ما يقوم به صالون الكواكبي الذي نريد كلنا له النجاح في تحقيق مفهوما جديدا للدولة الحديثة.