ثقافة صفحات التواصل الاجتماعي بهنان يامين

ثقافة صفحات التواصل الاجتماعي

بهنان يامين

بهنان يامين جديدة

    مع زخم ثورات الربيع العربي، رغم كل الإرهاصات التي رافقتها، انتشرت صفحات التواصل الاجتماعي، كالنار في الهشيم، محولة اياه من تواصل اجتماعي الى تواصل ثقافي وسياسي. وقد كانت الثورة الخضراء في ايران، إحتجاجاً على تزوير الانتخابات الرئاسية الايرانية لصالح أحمدي نجاد، قد سبقت هذه الثورات في الاعتماد على صفحات التواصل الاجتماعي من أجل نقل الخبر الى كل العالم حول ما يحدث في الجمهورية الاسلامية الايرانية من قمع واضطهاد واستبداد.

   مع انحسار قدرة الأنظمة الديكتاتورية وأجهزتها الامنية على مراقبة كل كلمة تقال، تحولت أجهزة الهواتف الذكية، والايفون، والتابلويت الى صحافة تعبر عن ما يختلج في صدر عامة الناس، وخاصة المثقفين منهم، من افكار وآراء وأشعار ولوحات فنية وكاريكاتور. ليس هذا فحسب، فلقد تحولت هذه الصفحات الى سلاح يقاتل به الانسان من منزله، ويعلي صوته عالياً ضد الانظمة الديكتاتورية، بعد ان أخترق حاجز الخوف الذي منع الانسان من أهم حقوقه الا وهي حرية التعبير. 

   وكأي وسيلة إعلام، نشرت صفحات التواصل الاجتماعي ثقافة جديدة، وهذه الثقافة، ككل الثقافات، تحتوي على ما هو ممتاز وجيد، وما هو وسطي ورديء، ومع استمرارية الكتابة كان الوسطي يتحول الى جيد والرديء الى وسطي. على هامش هذه الثقافة نمت طحالب ثقافية، ككل صحافة صفراء، تعتمد السباب والشتائم والتجريح، وهذا وضع طبيعي نجده مع كل مجالات الفنون والثقافة.

   وإن كانت ثورة 25 يناير2011 في مصر، سباقة في اعتماد صفحات الفايس بوك من أجل الدعوة الى التظاهر في ميدان التحرير، فأن الثورة السورية، بكل حسناتها وسيئاتها، استمرت في استخدام هذه الوسيلة لنشر هذه الثقافة، ولم يخلو أي موقع الكتروني، مهما كان قوياً ومقروءاً، الا وإعتمد على صفحات التواصل الاجتماعي، كالفايس بوك وتوتيتر ولينكدين واينسترغرام وواتس أب ويوتوب الخ…، من أجل المزيد من الانتشار. وقد فرزت هذه الثقافة نوع من الحس النقدي عند الكثيرين مِن مَن تَشجع وكتب، فأذا بنا نلحظ بروز العديد من الكتاب، ذو الحس النقدي سواء الاجتماعي أو السياسي أو الثقافي أو الفني.

    حتى المشاهير من الفنانين أجبروا على الاعتماد على هذه الصفحات من أجل المزيد من الانتشار، فلم يبقى أحد لم يسمع بعلي فرزات او يوسف عبدالكي او جورج ماهر الخ من مشاهير الفن في سورية، وما يقال عن الفن يقال عن كل المشاهير في كل انواع الثقافة غير المأجورة.

    سنعطي مثالاً عن أفرازات هذا الثقافة، من سورية ومن ثورتها، وبالذات من تلك المدينة الصغيرة في محافظة أدلب، الا وهي كفرنبل، التي لم يكن قد سَمِع بها الا أهلها وجوارها، لتتحول الى قرية عالمية يعرفها كل مثقفي العالم، وذلك بالطريقة المبتكرة، والتي عممتها صفحات الفايس بوك، الا وهي اللافتات، التي كان يرفعها مناضلو كفرنبل، ليس فقط باللغة العربية بل بكل لغات العالم، وهي تعبرعن الحدث الثوري في سورية، بكل ارهاصاته، سواء بالشعارات او بالرسوم الكاريكاتورية، والفضل الاول والاساسي كان لقدرتهم تحويل الطاقات الكامنة في داخلهم الى ثقافة تؤرخ للاحداث التي شهدتها سورية، وهم صامدون بنشر هذا التاريخ رغم اضطهاد الاجهزة الامنية لهم في بداية الثورة، والعصابات الارهابية التي شكلها النظام القمعي والتي كانت تعتدي من حين للحين على مركز النشر في كفرنبل.

   والشعارات التي رفعها مثقفو كفرنبل، كانت أفضل تعبير عن الحس الشعبي والجماهيري لعامة الناس، ولقد نقل لنا أحد ابرز ناشطي كفرنبل، رائد فارس، في لقاء لنا معه خلال زيارته القصيرة للوس أنجلس، كيف تفجرت لديهم هذه الطاقة الفنية، رغم بعثيتهم (نسبة الى حزب البعث،، لانه لم يكن مسموح باي انتماء آخر، حيث كشف لنا بأنه ومجموعة من شباب كفرنبل، قرروا ان لا يقفوا مكتوفي الايدي اما المخاض الثوري الذي تعيشه سورية، والتي كانت طلقة المخاض الاولى من مدينة درعا، فقرروا ان يخرجوا بتظاهرة قمعت من قبل عملاء النظام، ولكن مع تراخي قبضة الامن، فكروا باللجوء الى فن جديد، الا وهو فن اليافطة، كوسيلة للتعبير عن الحدث اليومي في سورية. وهكذا فجرت الثورة السورية طاقات هؤلاء الناشطين بأن يرى النور فن من نوع جديد الا وهو فن اليافطة أن صح التعبير، وبالطبع أعتمد هؤلاء الناشطون على صفحات التواصل الاجتماعي لنشر هذا الفن، في كل انحاء العالم.

   ولابد من الاقرار، بأنه لولا الحريات التي اطلقتها الثورة السورية، والتي حاول النظام وئدها، لما تنعم الشعب السوري، سواء المؤيدون للنظام او المعارضون له، بنعيم حرية التعبير التي أفرزت ثقافة التواصل الاجتماعي، وهذه الثقافة كما اسلفنا كانت تحمل في طياتها الغث والنفيس، وما كان لهذه الثقافة ان تتواجد لولا قدرة الصفحات الاجتماعية على تطويع الخبر كتابة وصوتاً وصورة، حيث كان الخبر يتناقل بسرعة البرق ليصل الى كل انحاء العالم وبكل اللغات.

    

نشر هذا المقال في جريدة العرب بتاريخ 11 شباط 2015 وفي العدد الخامس عشر من جريدة الحرمل بتاريخ 30 نيسان 2015