أفلاس الشماعة الفلسطينية بهنان يامين

أفلاس الشماعة الفلسطينية

                        بهنان يامين

    بهنان يامين جديدةطيلة القرن المنصرم، شكلت القضية الفلسطينية شماعة للفشل السياسي العربي. فمنذ ان اعلن بلفور وزير خارجية بريطانيا العظمى وعده لإقامة دولة يهودية على قسم من ارض فلسطين، والقوى العربية، والحكومات التي افرزتها، وهي تعلق فشلها على القضية الفلسطينية، وفي الحقيقة كان هروباً الى الامام من هذا الفشل. كان الشعب الفلسطيني، وشعوب المنطقة هي من تدفع دائماً غالياً ثمن هذا الفشل.

    الحقيقة المرة، والتي يجب ان نعترف بها، هي ان منطقتنا كانت دائماً مرتهنة لدوائر الاستخبارات الغربية، فالثورة العربية الكبرى التي طبلنا لها وزمرنا، طيلة القرن الماضي كانت العوبة من الأعيب الدوائر الاستخبارية، حيث استغلت هذه الدوائر سذاجة الشريف حسين واولاده السياسية المتأخرة، لتغدر بالعائلة الهاشمية من أجل مصالحها، ممزقة بقايا السلطنة العثمانية، عبر اتفاقية سايس – بيكو، الى دول وممالك، وذلك خدمة لمصالحها لان  عينها كانت تصوب على ثروات المنطقة، وليس فقط من أجل قيام اسرائيل.

     في النصف الاول من القرن العشرين كانت الدوائر الصهيونية تعمل على تثبيت الوجود اليهودي في فلسطين، وعرفت كيف تخاطب عقل هذه الدوائر، بينما كنا نحن دائما ننتظر قرار هذه الدوائر دون ان نعرف كيف نخاطب عقلها ومصالحها. كانت الدوائر الصهيونية تراهن دائماً على الحصان الرابح بينما كنا دائماً نراهن على الحصان الخاسر، فعلى سبيل المثال لا الحصر فلقد راهنت القوى الصهيونية على الحلفاء اثناء الحرب العالمية الثانية، ولقد شعروا بأن مصلحة مشروعهم لقيام دولة اسرائيل هو مع دول الحلفاء وليس مع دول  المحور، من هنا كان قتالهم الى جانب الحلفاء. اما العرب فأن اغلبهم راهن على دول المحور ولم يكن رهانهم صائباً و كانت حساباتهم خاطئة. 

   فشلت الشعوب العربية في منع قيام اسرائيل، وتصرفوا بغباء برفضهم قرار التقسيم، فقامت دولة اسرائيل ومنذ ذلك التاريخ ونحن نعلق فشلنا على هذه الدولة، ففي الوقت التي كانت اسرائيل تبني دولتها بشكل حداثي، مُسخرة كل القوى اليهودية لبناء علاقات سياسية مع القوى الغربية، خدمة لمصالح دولتها الفتية، كانت الدول العربية تبني دولاً متأخرة، وتعتمد على الانقلابات العسكرية التي ارست بالمحصلة ديكتاتوريات بقيت تضطهد شعوبها وكل ذلك باسم القضية الفلسطينية.

   لم تبني هذه الديكتاتوريات دولاً بل مزارع لصالح قادتها، وكانت مصلحة عائلاتهم فوق كل المصالح، وكانت تبني اقتصاديات لا تلحظ مصلحة شعوبها بل مصلحة فئة قليلة من الشعب. وكانت هذه الفئة، تتصرف بالمال العام ناهبت خيرات البلد.

   بنت هذه الديكتاتورية جيوشاً وتضخمت ميزانية هذه الجيوش ليس لقتال الدولة العبرية، بل لعقد الصفقات التي تسهل لهم عمليات النهب والسرقة، كون هذا القطاع هو الاكثر فساداً ولكن من كان يتكلم عن هذا الفساد كان كمن يسير في حقل الغام، فمنوع التحدث عن الجيش، ومن يكون لديه الشجاعة للتحدث عن فساد هذا القطاع، فيكون مصيره غياهب السجن، ان لم يكن الموت بتهمة الخيانة العظمى.

   لم نبني دولاً بل أنظمة، قامت على اكذوبة محاربة اسرائيل وعندما كانت اسرائيل تعتدي، كانت هذه الديكتاتوريات تنهزم امامها. فشلت الحكومات العربية عام 1948 وعام 1956 وصولاً الى الهزيمة الكبرى في حرب الايام الستة عام 1967، حيث قدمت اسرائيل لهذه الدول فاتورة حساب تأخرها، وعوضاً ان تتهاوى هذه الانظمة كانت توهم شعبها والفلسطينيين  منهم بأنها منتصرة، كما حدث مع حافظ الاسد في حرب تشرين 1973 التي سميت زيفاً بالتحريرية، ولكنها في الحقيقة كانت هزيمة شنعاء ادخلت سورية في المجهول، ليبني حافظ الاسد نظاماً بوليساً ورثه لابنه سفاح سورية الحالي.

   بنيت هذه الديكتاتوريات بطريقة لا يمكن اصلاحها، لانه من المستحيل ان تقبل اجهزتها الامنية، التي شكلت حجر زاوية هذه الانظمة، ان يتم اي اصلاح لانها كانت تعرف بان هذا الاصلاح سيكون على حسابها، من هنا تصدت لكل من يطالب بذلك.

    هزمت كل الانظمة العربية، وفشلت فشلاً ذريعاً على كل الاصعدة والمستويات، وكانت تتنقل من نكبة الى نكسة الى هزيمة، وكل هذه كان باسم فلسطين التي ساهمت هذه الانظمة في قتل الشعب الفلسطيني اكثر من ما قامت به اسرائيل طيلة 66 عاماً من تاريخ ولادتها، آن الاوان ان تعلن شعوب المنطقة افلاس هذه الشماعة التي تكسرت من كثر ما علقوا عليها كل فشلهم، وهي اليوم تثور من أجل انهاء اسطورة هذه الشماعة محاولة اسقاط هذه الانظمة الفاشية.