خلط الأوراق حتى الإيهام د. سماح هدايا

مقدمة

   مما لا شك فيه بأن الدكتورة سماح هدايا قد وضعت الملح على الجرح كما يقول المثل العامي، فهي هنا تفند مزاعم اولئك الذين، ولتخوفهم من التصدي للقوى المتطرفة والاسلاموية، سواء عن عدم قدرة او عدم فهم لهذه القوى، أخذوا يطرحون طروحات مستجنة تنجم عن التراخي في الزخم الثوري، بقناعتي داعش وحالش والنصرة وكل هذه المنظمات ما هي الا نتيجة وجود الانظمة الديكتاتورية الفاسدة والاستبدادية، فوجودها رغم وجود خلفية متدينية عند شعوبنا فهو رافض للتطرف ويعتبره نتيجة وليس سبباً. فليسقط النظام الذي هو العلة تسقط النتائج مهما كانت قوية، ولقد مرت كل الثورات بمثل هذا التطرف، فالهروب الى الامام وعودة تأهيل النظام ودولته القمعية العسفية غير مقبول لاي سبب كان ومن أي طرف كان؟

    هل كان لدينا دولة حتى نخاف من سقوط، فبالاصل ليس لدينا دولة لان كل مقومات الدولة الحديثة العصرية غير موجودة، وكلها ترتكز على شخصية الفرد الحاكم المستبد.

خلط الأوراق حتى الإيهام

                          د. سماح هدايا

     ليس من أحد بمحايد في الصراع…. خلط الأوراق بين الحق والباطل تحت وهم الشائعات والضلالة يحدث بقوة وكثرة عند مفاصل التغيير الحادة. عملية الخلط بين الجهاد والإرهاب ليس بأمر حديث او طارىء. بل هو جزء من أي معركة سياسية بين التحرر والاستعباد، كان قد اتخذ شكله في القاعدة ودعمها. أما ما يحدث الآن من خلط بين إرهاب داعش وإرهاب نظام الأسد الطاغي؛ فهو خطير جدا، لأنه يؤدي إلى اللبس والتضليل لتغييب الحقيقة في قتل الشعب السوري وظلمه تشريده، ولضرب الحركة التحررية الشعبيّة الثورية بدمجها بداعش؛ الأمر الذي يمكن أن يقود الثورة وناشطيها إلى حروب طاحنة بعيدا عن قلب المعركة الحقيقة، فيستنزف الثورة بالاصطفاف ضد داعش أو دفاعا عن حسن النوايا الجهادية.. كما يمكن أن يوجه ضربة للثورة بإحباطها وإضعافها لقبول الأمر الواقع بالإذعان والاستسلام لسيطرة لنظام السياسي القائم، نتيجة الإخفاق وعقدة الذنب، فيحصل التنازل والتصالح والتسويات السياسية مع نظام الأسد، على رأيهم بأنه كعلماني، مهما استبد وبطش، أرحم من شياطين داعش وإرهاب الإسلام وظلامية الحركات الإسلاميّة…فتتحوّل المعركة من معركة ضد الباطل، إلى تنازع على مطالب ضيقة تم تصميمها سلفا لتلائم إبقاء الوضع لصالح النظام وداعميه… كأنما "نار الأنظمة ولا جنة داعش".

    تعالي الأصوات التي تطالب بقبول النظام الاستبدادي، كبديل سلمي عن العنف والفوضى؛  لأنّ إبقاءه أسلم وأهون من سقوط الدولة وانهيار أمنها، تحت أقدام ميليشيات عنصرية؛ فلا يمكن مناقشته والرد عليه بسبب ضحالته وسطحيته؛ لأن ما يحصل على أرض الواقع أكبر بكثير من اختزاله في كلام تنظيري جاهز مصطنع، يهدر طاقة الناس ويبدد جهودها العاقلة والفاعلة. فتحت سيف الطغيان لا خيار للشعب سوى النضال لكسره، لأنه مسبب الجرائم.  وبالتالي لا خلاص حقيقي إلا بإسقاط أنظمة الطغيان التي استمرت عقودا تلف رقبته بحبال غليظة وابتكارات من مكائد وحيل.

   والذين يقولون أن الثورات العربية، ما كان يجب لها أن تقوم قبل نضج أدمغة الشعب وجهوزيتها لقيادة التغيير، وإلا ستكون فوضى تفتك بالدولة بإسقاط النظام الذي ارتبطت كلها بشخصه ونظامه… وبالتالي تأخذ الشعب إلى مناطق التهلكة والخطر، إلى عصر ماقبل الدولة؛ فحديثهم عابر إلى الثورة بخطاب الثورة المضادة التي عادت بأطياف الأقليات وأصحاب المصالح المفقودة إلى التحوصل في أمعاء الرجعية والإذعان  للدكتاتورية خوفا على المكاسب والمصالح  وخشية فقدان الأمن وحصول الدمار.

        القهر المزمن ينشر عنفا مضادا لإزاحته….فإذلال الشعوب وتحقيرها لا يمر بهدوء… يتحول لعاصفة هائجة تبتلع الطغاة، وتثير زوبعة تنال المحيط… التدخل الأمريكي بضرب داعش، أثبت أن ادعاء أمريكا بنصرة الشعوب والأبرياء باطل، فهي تتدخل، فقط، لحماية مصالحها ومكاسبها، ولإنقاذ الدويلات المصطنعة التي أنشأتها في المنطقة  تابعة لها. هي  تتدخل  بحجة  حماية نازحين وضحايا من الأقليات، وتتعامى عن سقوط  مئات الآلاف من الضحايا في سوريا بمقصلة نظام الأسد. إنّ التطرف سيتسع وسينتشر الثأر، ومن كان متسامحا تتسع فرصة تحوله إلى متطرف في ظل هذا الظلم العلني الحاقد،  وستمتد قامة المظلومين  المتحررين وتسقط كل القبعات الداعشية التي تلبسها أمريكا والأنظمة التابعة لها لكل مجاهد يحمل سلاحا ويرفع شعارا دينيا ..والنتائج الكارثية لن تردع احدا؛ فقد اثبتت الأحداث أن الإنسان عندما يقرر أن يفعل، سيفعل المستحيل؛ وكل  القوى  والإعلام  المأجور ودعاياته وشائعاته وتضليله وغريزيته لن توقفه. بل تتعثر كل المساعي المضادة تحت اقدام المندفعين للمعركة بإيمان وعزيمة.

      هي ثورة مضادة لتصفية مشروع التحرر الوطني باسم تجفيف منابع الإرهاب، ليس الموضوع في إشكالية فهم الإسلام وتطبيقه وتسييسه …فهذا  يحتاج إلى ثورة دينية وإصلاح عقائدي لتخليص الفكر والدين بكل شكليلاته وإشكالاته من قبضة الطغيان والجهل؛  لكنه مرتبط  بإحباط  المشروع الثوري والتحرري. مصطلح الإرهاب مخصص عالميا لإعلان الحروب وقتل الثورات التي تجابه الهيمنة التي تحكم العالم، وخصوصا الثورات التي وجدانها   الإسلام الجهادي، بغض النظر عن  مآربه. وبالتالي،  فكل مجاهد إسلامي خطر على العالم  ويجب تصويب بندقية الإرهاب لقتله.

     وكثيرون يدركون أن أمريكا التي لم تنتظر وقتا وأصدرت قرارها بمهاجمة داعش في العراق حماية لمئات الضحايا من الأقليات،  بينما صمتت على قتل الشعب السوري بيد نظام بشار الأسد، فلم تتدخل لحماية مئات آلاف القتلى والجرحى، ومئات آلاف المفقودين والمعتقلين، وملايين النازحين واللاجئين…والمختنقين بمجازر كيماوية. حتى  مجلس الأمن الدولي لم يستطع إصدار قرار إدانة أو إحالة تلك الجرائم إلى محكمة الجنايات الدولية للتحقيق فيها. موقف أمريكا والعالم  سيزيد الاحتراق في سوريا..

    قطعا داعش ليست نموذج الثورة السورية، ولا المطلوب لسوريا المستقبل؛ لأنها، وبغض النظر عما قيل فيها من حقيقة ومبالغة وحق وباطل، شكل يفتقر لأخلاقيات الثورة ونبالة الحرب التحررية ومعركة النهضة، هي عنف وطغيان، تنعدم في مسارها الحكمة السياسية والمرونة الإنسانية. لكن  من الضروري، في ضوء المستجدات إعادة تعريف مصطلح الإرهاب وتحديده….

أليس إرهاباعندما تقوم ميليشيات كردية  بطرد آلاف العرب من بيوتهم ومدنهم؟

أليس إرهابا التصعيد الطائفي  السياسي والفكري والعسكري والتجييش المذهبي الذي يثير الفتنة ضد الإسلام السنة بقيادة قادة سياسيين يدعون للاقتتال الطائقي ويمارسونه؟

  أليس إرهابا عندما يستدعي فريق من الشعب أمريكا لتقتل خصومه وتقسم الأرض وتحتلها؟

أليس إرهابا أن تقتل أمريكا الشعوب وتغزو بلادها؟

الجماعات العسكرية التي تقهر باسم الإسلام وتطبيق الشريعة والشرع؛ فتخلط بين الاخلاق والقانون والشريعة، وتتدخل في حياة الناس بشكل قمعي مرتدية لبوس المدافع عن المذهب والشريعة والأخلاق تحقيقا لشرعية سياسية، لا يمكن أن تنجز مشاريع تحررية أصيلة؛ لأن سلوكها غريب مستهجن ورجعي، وتبحث عن سلطة ونفوذ، وهي مشبوهة لأنها تخوض  معارك مفتعلة وجانبية بدل أن تخوض في معركة الأمة المصيرية؛ فالصراع الأساسي بين العرب أنفسهم، وبين العرب والغرب، هو مع أنظمة أسرائيل وداعميها، ومع أنظمة الطغيان الموجودة لحماية إسرائيل ومشروع الصهيونية. وأي شيء لا يقع ضمن هذه المنظومة يثير الشبهات والتساؤلات. داعش ومثيلاتها تنظيمات لإلهاء الناس عن التفكير المتنور وعن التغيير التاريخي ومعارك التحرر. ولها وجود في عقلية الفكر التكفيري الذي تحضنه عقلية سلفيّة مدعومة من أنظمة المنطقة والعالم. داعش ما كان لها أن تمتد لولا وجود عقائدي وسياسي يحضنها؛ لكن مكافحتها بالمحاربة والإقصاء الدموي لن يجني سوى استنزاف الجميع؛ لأنها  حركات قوية بروح الفريق الجهادية، وبالدعم الذاتي والخارجي، وبما تقوم به من تأصيل لهوية عقيدية وسياسية تحتوي نخبوية شعب الله المختار القادرة على تصفية المعادين بدم بارد..

    حتما لن تكون النتائج عادلة ومنصفة عندما يواجه الإرهاب إرهابا…داعش تحمل عنفا لا يستهان به؛ لأنها مرض خرج من قهرٍ ثم تسرطن ومن الصعب السيطرة عليه.  ومن الخطأ ضربها حاليا بالثورة؛ لكن الثورة المضادة التي ضمت حتى مجموعة من ناشطي الثورة الذين سقطوا لمحاربة الجهاديين والثوار، واصطفوا في المشروع الأمريكي هم الذين يربكون حركة الثورة ويضللون ويعيدون الاصطفاف  لمعاداة الثورة خوفا من اسلمتها، وهؤلاء لا يقل خطرهم عن داعش بل قد يزيد.