المجازر العنصرية والطائفية نتاج الاستبداد ومصالح الامم بهنان يامين

على هامش مئوية المذابح الارمنية السريانية الاشورية

المجازر العنصرية والطائفية نتاج الاستبداد ومصالح الامم

بهنان يامين

      بهنان يامين جديدة دارسو تاريخ البشرية يلحظون بأن هذا الأخير، شهد العديد من المجازر والمذابح، ولم تخلُ مرحلة من مراحله من ذلك، فلقد ترافقت، مع كل الحروب من عصور ما قبل المسيح، مذابح ومجازر ضد الشعوب المستضعفة. ونتيجة هذه الحروب دمرت السلطات الاستبدادية العديد من الحضارات، وهي لم تقتصر على قومية ما او دين ما، وكما يقول الراحل الكبير الياس مرقص لا يوجد قومية صافية ولا حضارة طاهرة، فالكثير من الحضارة دمرت عندما ضعفت شعوبها، لتبنى على بقاياها حضارة جديدة تأخذ منها الكثير وتمحي من أثارها الكثير.

   ومع قدوم السيد المسيح، وتجسده، وصلبه، وقيامته شهد العالم أهم المجازر التي أخذت الطابع الديني، فالسلطات الرومانية لحظة بأن المسيحية تهدد مصالح الدولة المستعمرة في المنطقة، وذلك من خلال تهديد ديانتها القائمة على الألهة المتحجرة، ومن خلال هذا التهديد، شعرت السلطة المستبدة في روما، بأن حلف الدين والسلطة السياسية قابلة للسقوط، فعمت المجازر والمذابح العديد من المناطق، حيث كان المسيحيون يقتلون بالألوف ويتكاثرون ايضاً بالألوف.

   لن نخوص في عمق التاريخ كثيراً، فهو مليء بالمجازر ذات الطابع الديني والقومي، حيث بعد العهد القسطنطيني وتحول المسيحية الى دين الدولة، شهد التاريخ اضطهاد  المسيحيين بعضهم للبعض باسم محاربة البدع، لتتركز سلطة البطاركة والبابوات، وتتحالف مع السلطة المركزية في كل من روما والقسطنطينية، وأهم هذه الاضطهادات كان اضطهاد السلطة الكنسية في روما للنساطرة من اتباع نسطوريوس، وهو مثال وهناك العديد من الاضطهادت. وشهدت اوروبا صراعاً دينياً ما بين السلطة الكاثوليكية والبروتسانية، وما مذبحة القديس بارتلمي الا شاهداً على العنف في الكنيسة، وكذلك كانت المرحلة المعروفة بمرحلة ازابيلا، حيث اجبرت المسلمين اما الرحيل او التنصر او السجن اول القتل.

     اليوم تمر الذكرى المئوية للمذابح الارمنية – السيريو – أثورية، نلحظ بأنها كانت نتاج الاستبداد الذي عرفته المنطقة على يد السلطة العثمانية، سواء في شقها الديني او شقها القوموي والعنصري، فهذه المذابح كانت مذابح شملت كل مسيحي المنطقة، وليس فقط الارمن الذين بالاضافة الى تمسكهم بالمسيحية كديانة، حافظوا ايضا على لغتهم وعنفوانهم القومي، مما كان يهدد السلطة الضعيفة والمستبدة في الاستانة او استنبول. هذه المذابح سواء اخذنا اعدادها المضخمة أو المخففة، فهي مجازر ممكن ان تصنف اليوم تحت لافتة جرائم حرب ضد الانسانية، وكما يسكت العالم اليوم على مجازر الانظمة الاستبدادية الطائفية، فلقد صمت ايضا انذاك، على تلك المذابح التي بلغت ذروتها في عام 1915 وهو العام الثاني للحرب العالمية الاولى.

   لماذا سكت العالم عن تلك المجازر ولم يحركوا ساكناً ضدها؟ هو سؤال مشروع يطرحه المؤرخون، فدول المركز مثل الامبرطورية الالمانية والامبرطورية النمساوية- المجرية، وبسبب الموقع الاستراتيجي للدولة العثمانية المترهلة والآيلة للسقوط، سكتوا عن هذه المجازر، حتى يضمنوا دخول العثمانيين الحرب الى جانبهم، واستمرار هذه المذابح كان يضعف الدولة العثمانية المنازعة والمنتهية صلاحيتها، اما دول الحلفاء مثل انكلترا وفرنسا وروسيا، فهي ايضاً كان من مصلحتها أستمرار هذه المجازر من أجل اعطاء المبررات امام شعوبها من أجل الاستمرار في الحرب التي دفعت الشعوب الاوروبية ثمناً غالياً لها.

   صحيح ان وقود هذه المذابح والمجازر ارتدت طابعاً دينياً، فكل الضحايا كانوا مسيحيين من ارمن وسريان واشوريين الخ … من الاثنيات المسيحية، ومع الأسف كانت الأداة هي اثنية عنصرية اسلاموية متطرفة، ولكن بالمقابل من وصل من المسيحيين الى مناطق سورية، فقد نجوا من المذابح والمجازر، ولو كانت ذات طابع ديني، لما حمى مسلمو سورية هذه الشعوب المستضعفة. بل رأوا في هذه الحماية نوع من النضال ضد المستعمر العثماني المستبد، الذي سمح بهذه المجازر والمذابح.

   اليوم تشهد المنطقة مجازر جديدة، ولكنها مجازر من نوع جديد، فما يحدث في سورية والعراق من مجازر ينفذها النظامين الاستبداديين في بغداد ودمشق، وهي انظمة بالاضافة الى استبداديتها، فهي انظمة طائفية أقلوية، ترتكب في حق كل من الشعبين العراقي والسوري، بكل مكوناته الدينية والعنصرية، حرب ابادة. ولقد جاءت داعش وحالش والحشد الشعبي والحوثيين وابو الفضل العباس، والحرس الثوري الايراني الخ… من المنظمات الارهابية، لتتحالف بشكل او بأخر مع هذه الانظمة، وتزيد في وحشية هذه المجازر والمذابح، وترعب شعوب المنطقة، ومنهم المسيحيين ضحايا مجازر 1915.

   اليوم وبحلول الذكرى المئوية لهذه المجازر، يتكرر الصمت العالمي على الجرائم المترتكبة في المنطقة، فكل دول العالم صامتة على هذه المجازر وهذه المذابح وضحاياها هم من كل ديانات المنطقة وقومياتها، لا حباً بالانظمة الاستبداية، بل من أجل اضعافها وحلفاءها في المنطقة، وما الوحشية التي تشهدها سورية اليوم الا دليل بأن الدول المسيطرة على قدرات الشعوب، بصمتها، تساعد الاستبداد بجرائمه. ليس هذا فحسب، فهي تستمر باستغلال مفهوم الاقلية والاكثرية، للمزيد من تمزيق المنطقة، ولا ترى في مصالحها الا باستمرار هذه الجرائم.

      اليوم يكرر التاريخ نفسه، فعوض ان تكون فقط مجازر ذات طابع ديني موحد، ضحاياها هم المسيحيون، فهي اليوم مجازر ضحاياها من كل مكونات شعوب المنطقة. من هنا نصل الى نتيجة ان الاستبداد والتطرف، عندما يشعر بالتهاوي والضعف وقرب السقوط، لا بد ان يدفع الى التطرف وارتكاب المجازر والمذابح.

نشرت هذه المقالة في جريدة العرب التي تصدر في لوس انجلوس بتاريخ الاربعاء 22 نيسان 2015 العدد1121