خلاخيل الحَمام ماجدولين نعيم حصري

خلاخيل الحَمام

ماجدولين نعيم حصري

حمام

     سوريا بلد الحضارات، بلد سطوحه أعشاش حمام للناس البسطاء المسالمين الحالمين، يطيّرون حمائمهم وبأقدامها خلاخيل ملّونة تزيّن سيقانها وتُعرّف على اصحابها، إلى أن جاءت الحرب وانثقبت سماء الوطن وهطل الموت غزيراً، لم تعد أسراب الحمام تعرف طريق العودة، فهاجرت تبحث عن أمان المكان وحريّة المساحة والإنسان.

      كم كان الطريق طويلاً وشاقاً ومحفوفاً بالمخاطرة والمغامرة…عبر السوريون البحار، والصحارى، والجبال وفي جعبتهم القليل من الأمل بالعيش الكريم، والوصول الى أرض، اي أرض كانت، حيث يستطيعون أن يجدوا أجوبة لأسئلة أولادهم عما يجري، أطفالهم الذين كانوا يصحون على هديل الحمام، باتوا يصحون على أصوات الرصاص مبللين أسرّتهم من الخوف من المجهول.

      زحف الموت باتجاه المدن والقرى مما جعلنا نركض أمامه دون التفات للوراء، ننقذ الروح قبل الجسد، نلتجئ لبلاد أعظم معالمها تمثال الحرية، ونسمى بعد العبور لاجئين. قصة السفر واللجوء، عشتها بنفسي وكنت ممنونة وسعيدة بما حصل لي من معاملة جيدة وانسانية بالغة، خلال واثناء دخولي أمريكا شعرت أني انسانة بحق..شجعت أقربائي واصدقائي على اللجوء الانساني.

      وبدأت الحكاية، لكل عائلة قصة منفردة عن اشكال ومرارة العبور. لن اتكلم عن مشوار ما قبل المعبر، فتلك قصة يطول شرحها، عند المعبر رموا احمالهم وهمهم وتفاجأوا أن حلمهم قد سقط سهواً عندما تم تحويل كل فرد من افراد العائلة الى سجن مختلف حسب اعمارهم بعد التحقيق "السجون لا تليق بلاجئ انساني" وكذبت الام حين سألتها طفلتها : أين نحن يا أمي؟ نحن في الفندق ياحبيبتي- أمي هذا الفندق لا أحبه.

    تم توقيف بعض العائلات لأسبوع.. يخرج افراد العائلة ويبقى الرجال، كان اقصى حد للسجن ثمانية شهور، ويحتاج الامر لمحامٍ، وكفالة مالية، هذا عدا عن تشتت العائلة، وحالتها النفسية عند دخولها بلداً جديداً في العادات، والقوانين، واللغة، ومع ذلك اعتبر اللاجئون أن دخول امريكا بحد ذاته حلم تحقق، ولو مع وقف التنفيذ، الى ان رأيت صديقة لي قد خرجت منذ اسبوع من السجن مع صغيرتها وبقي الزوج في السجن، ارتبكت المرأة عندما شعرت بانني لمحت جهازاً اسودً في قدمها، وبالعفوية السائدة في مجتعنا تخبرني بقصتها، وقالت: انظري.. صرت مثل طير الحمام بخلاخيل، لكنها سوداء. خلاخيل الحمام يا سادة هي اطواق ملونة توضع حول ساق الطير للزينة وللتعريف عن صاحبها.

     كم ابتعد وجه التشابه بين خلاخيل الحمام والخلاخيل السوداء للبشر، أسبوع، ولم تعتد المرأة هذا الجهاز الغريب، عدا عن أن عليها كل اسبوع أن تتواجد على نفس العنوان للتحقق من مكان وجودها. قفص كبير يطوف به السوريون في بلد الحرية …والجنحة – لاجئين – والضريبة، نظرة المجتمع الامريكي لصاحب الجهاز وكأنه ارتكب جنحة أو جناية أو أنه شخص خطير اطلق سراحه بشروط.

      ياسادة… لمربي الحمام طقوس غريبة متعارف عليها وقوانين يعتمدونها ويحتكمون اليها.. فهل للسلطة الأمريكية أي تفسير لوضع الخلاخيل السوداء لأفواج الحمام المهاجرة قسراً. بهذه القصة الصغيرة، أتعاطف مع وضع اللاجئين عند دخولهم عبر الحدود، وحالتهم النفسية، والجسدية، والمادية ايضاً، ومع ازدياد أعداد خلاخيل الحمام نتيجة هجرة الحمام البشري السوري، الى بلد الحريات وحقوق الانسان، تزداد اعداد الخلاخيل السوداء، ولا  تبربر انساني يفسر هذه الخلاخيل، ولا بد من نزعها، فالخلاخيل السوداء لا تليق بالسوريين البسطاء، الذين تركوا وطنهم مهاجرين، ولا يعرفون متى يعودون. وقصة الخلخال ليست انتقاداً للقانون الامريكي، وانما رد فعل انساني، فليس حراً من يهان امامه انسان ولايشعر بالمهانة.